استقرار الأمة استقرار للنظام

1 يناير 1970 08:20 ص

مرة أخرى تقترب الأزمة من عنق الزجاجة ثم تعود أدراجها. سؤال فتحرك فتجييش فتصعيد فتظاهر. يمسك بعض النواب زمام المبادرة بتطرف وكأنهم يعرفون ما ستؤول اليه الامور. تتمسك الحكومة بزمام الرفض والصد ثم توافق بعد «معارك» على أكثر مما طلب منها وكأنها ادمنت استعذاب الضغوط. تحصل تدخلات اكبر تعيد للوسطية اعتبارها ولكن بعد اهتزاز الصورة، وتعيد للامور استقرارها ولكن بعد انهيار الثقة.
قراءة قاسية للتطورات؟ ربما، لكنها ليست قراءة خاطئة. راقبوا فقط ما حصل منذ «ملحمة» الدوائر الى «بانوراما» المديونيات، مرورا بالرواتب والكوادر والشركات و... دعم الوزراء.
وتذكروا، ايضا تذكروا، التصريحات الحكومية بعد حل البرلمان حيث صارت المزايدات عنوان الدوائر فالبعض كان مع الخمسة والبعض مع الدائرتين والبعض مع الواحدة.
وكيف قيل لوزراء أن يواجهوا ثم تركوا وحدهم... وكيف قيل لوزراء ألاّ يواجهوا وتركوا ايضا وحدهم.
وكيف كانت زيادات الكادر الوظيفي مرفوضة ثم قبلت بشروط افضل.
وأخيرا وليس أخرا كيف ظهر صندوق الـ300 مليون دينار بعد جلسة صاخبة للمديونيات امتدت الى الشارع وكان في الامكان أن يظهر كمبادرة حكومية لا كردة فعل.
أما لماذا حصل ما حصل؟ فتلك قصة أخرى.
الحكومة الكويتية تختلف عن حكومات الدول الديموقراطية الأخرى المنتخبة. هي غير مضطرة لتكريس كل جهودها في استرضاء الشارع استناداً إلى نسب انتخابية وحسابات حزبية أو مناطقية لأنها من الشعب ويفترض انها تستشعر نبض الشارع بالطبيعة. حكومتنا غير مضطرة للاسترضاء لان همها الاساسي هو تأمين كل ما من شأنه تعزيز امن وسلامة المجتمع وتقدم افراده على مختلف الصعد والحفاظ على مقدرات الدولة ودستورها وقوانينها وثرواتها والاهتمام بالاجيال ومستقبلها. هذا دورها الذي كلفت به في اطار الخصوصية التي يتمتع بها نظامنا السياسي، ولم يكن هذا الدور وليد برنامج عمل انتخابي نالت على اساسه الثقة في البرلمان بل على اساس الثقة التي منحها الحاكم والمحكوم لها.
وبما ان الحكومة كذلك و«متحررة» نوعا ما من القيود الانتخابية كالتي تكبل عمل حكومات في دول اخرى يعود السؤال: لماذا حصل ما حصل؟ ولماذا تتراكم الازمات يوما بعد يوم وتتفاقم ثم نستفيق مثلا بعد سنتين عليها في موضوع الرواتب وعشر سنوات في موضوع الدوائر واربعين سنة في موضوع البدون...و... و... و؟
الاجابة مركبة بالطبع ولا يمكن اختزالها في سبب واحد او فصل مجموعة اسباب عن الظروف والمستجدات، لكن احد الاوجه الاساسية لابتعاد الحكومة عن دورها الاساسي يكمن في انشغالها في تجاذبات على مستوى النظام  اكثر من تفرغها لترتيب وضع الناس، تاركة لسلطة اخرى ان تحتل مكانتها «التنفيذية» بطريقة مباشرة وغير مباشرة، بل ساهمت الحكومة مرارا في استدراج سلطات اخرى الى قراراتها في اطار التجاذبات والحرص على حشد اكثر الاوراق في هذا المنعطف او ذاك.
في هذا الاطار ايضا، لم يعد لمصطلح «السلطة التنفيذية» المعنى السياسي المتطابق معه. صار بالنسبة الى اهل الكويت مرادفا للوظيفة الموقتة بدرجة وزير او مصاحبا لـ«المحرقة» بدرجة «متجاوز». هنا، لا يمكنك توقع وجود اصحاب رؤية بعيدة المدى في سدة العمل الحكومي ورجال دولة قادرين على استقراء نبض الشارع ووضع الحلول الناجعة لمشاكله في ظل الفترة القليلة التي يقضيها الوزير على رأس عمله، لذلك لا بد من التوجه مباشرة الى «الثوابت» في الحكومة وهم رئيسها ونوابه وتحديدا شيوخ حقائب السيادة منهم (مهما تغيرت الاسماء والوجوه ) لأنهم الأدوات الأبرز في علاقة النظام بالأمة، للقول إن الحكومة مصدرها الامة وعليها العمل لمصالح الامة جمعاء ففي ذلك استقرار للنظام، أما إذا انشغلت بتجاذبات على مستوى النظام فقط فاستقرار الامة سيختل... وها نحن نشهد البدايات.
باختصار، المطلوب من الحكومة أن تستخدم الأدوات التي في يدها وهي أكثر من ان تحصى، وأن تستعيد القدرة على بناء التوازن وتحقيق الاستقرار من خلال تكريس كل الجهود لخدمة الأهداف التي وجدت من أجلها من دون وسطاء بينها وبين الكويتيين. وعندما تصبح المبادرة في يدها مجدداً فلا خوف على استقرار النظام لأنه جزء من الاستقرار العام.
هل نوضح أكثر؟
لا نعتقد أن الكويتيين بحاجة إلى ذلك.


جاسم بودي