انفجارٌ غامِض في مركزٍ لـ «حزب الله» جنوباً تحت جنْح طيرانٍ إسرائيلي

لبنان أمام الحائط الحكومي المسدود ... والحريري يفتح كوةً بـ «تَجَرُّعه السمّ»

1 يناير 1970 10:33 ص

حَجَب دخانُ الانفجارِ الغامضِ الذي وَقَع بعد ظهر أمس، في بلدة عين قانا الجنوبية الأنظارَ عن الغبارِ الكثيف الذي يلفّ مسارَ تأليف الحكومة الجديدة التي عَلِقَ استيلادُها في حقل الألغام السياسية الداخلية والإقليمية بما يُنْذِر باقتياد البلاد إلى قعْرٍ أكثر عُمْقاً في رحلةِ السقوط الكبير وبلا أي فرامل كانت ستشكّلها المبادرةُ الفرنسية التي فقدتْ قوةَ الدفْعِ التي انطلقتْ بها مطلع سبتمبر، وباتت تترنّح بين التقويض والترويض وكلاهما وجهان لنتيجة واحدة: فشلٌ معلَن بتداعياتٍ ديبلوماسية بالغة السلبية على باريس ورصيدها الذي تُراكمه على الخطوط الساخنة في المنطقة، أو مستتر لا يمنع تشظياته الفتّاكة على ما تبقى من قطرة ضوء في آخِر النفق الذي انزلق إليه لبنان.
وابتداءً من الثالثة من بعد ظهر أمس، تبدّلتْ وُجهة «العدسات» من المقرّات الرسمية التي تحوّلتْ أشبه بـ«مَراصد تَرَقُّب» يعكس سكونُها اقتراب «زيت» المسعى الفرنسي من النفاد، إلى موقع الحَدَث الأمني الملتبس في جنوب لبنان الذي تَمَثّل في انفجارٍ دوى في مركز تابع لـ«حزب الله»، وسرعان ما أحاطه ستارٌ من المعلومات المتضاربة حول ملابساته التي بدتْ مختلف الفرَضيات المتّصلة بها تستحضر عنوانَ سلاح الحزب، سواء كان ما حصل ناجماً عن حادث - خطأ أو استهدافٍ إسرائيلي، في مخزن أسلحةٍ وذخائر حية أو مركزٍ لتجميع مخلّفات حرب يوليو 2006 أي الألغام وقذائف غير منفجرة وفق ما أشاعتْ مصادر قريبة من الحزب.
وأعطى ما أوردتْه «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عصراً عن أن الانفجار في عين قانا «الذي لم تُعرف أسبابُه بعد» تَزامَنَ «مع تحليقٍ مكثفٍ للطيران الإسرائيلي»، إشارةً إلى أن بابَ السيناريوات المتّصلة بهذا التطوّر الأمني مفتوحٌ على شتى الاحتمالات التي يرتّب كلٌ منها «تتماتٍ» والتي بدا من الصعب أمس، تَلَمُّسها تحت جنْح السحابة السوداء التي تعالتْ في سماء بلدات محيطة ونكأتْ بعضاً من مَشاهد الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت (4 أغسطس الماضي)، الذي لم تجفّ بعد دماءُ ضحاياه ولا دموع ذويهم.
وكانت أولى المعلومات المُسَرّبة تحدّثت عن انفجار وقع في محطة محروقات في عين قانا، لينقشع الدخان الكثيف الذي أعقب الانفجار الذي تردّدت أصداؤه في منطقتي النبطية وإقليم التفاح عن مشهدِ دمارٍ كبيرٍ على مساحة غير صغيرة، بدا أن ما كان عليها سُويّ بالأرض (تردد أنه مبنى من 3 طبقات) وأن أضراراً لحقت بمبانٍ في محيطه وبسيارات تفحّمت. وتَوالت بعدها التقارير التي عكست إرباكاً وارتباكاً رسمياً كما في جانب «حزب الله» والقريبين منه، إذ نقلت «رويترز» عن مصدر أمني أن الانفجار وَقَعَ في مستودع أسلحة للحزب ونتيجة «خطأ فني»، لتعود مصادر في الحزب وبعد تقارير عن استهداف القيادي الكبير فيه علي سمير الرزّ وفي معرض نفي هذا الأمر لتؤكد أنّ «ما انفجر هو مركز (تابع له) لتجميع مخلفات حرب يوليو أي الألغام»، قبل أن يؤكد مصدر عسكري قريب منه لـ «فرانس برس» أنّ «المعلومات الأوليّة تشير إلى أنّ الانفجار وقع في مركز له يحتوي على ذخيرة» من دون أن يتمكّن من تحديد أسباب ما حصل موضحاً أنّه «ليس مستودعاً» ومتحدّثًا عن «حادث عرَضي».
ومن خلف الطوق الأمني الذي فرضه «حزب الله» حول مكان الانفجار الذي لم يكن ممكناً الجزم إذا كان أدى إلى سقوط ضحايا أم لا، وسط تناقُل وكالات أجنبية عن سكان في عين قانا أن إصابات وقعت ونقلتْها سيارات إسعاف وأن «القرية اهتزّت بنا تماماً»، فإنّ خفايا ما جرى أياً تكن عاودت تسليط الضوء على سلاح الحزب داخلياً في لحظةٍ بالغة الخطورة في المواجهة الأميركية - الإيرانية التي استعادت زخْمها مع معاودة واشنطن تفعيل العقوبات الأممية على طهران من جانب واحد متوعّدة منْتهكي قرارها الذي أغضب أوروبا، وسط مواكبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب «شدّ براغي» الكمّاشة حول إيران إلى أقصى حدّ مع تَشَدُّدٍ بلغ منسوبه الأعلى تجاه «حزب الله» الذي جزم وزير الخارجية مايك بومبيو بأنه «يجب منْع إيران من تهريبِ السلاح له لأن ذلك يضرب استقرار لبنان».
وفيما كانت التحرياتُ على أشدّها حول «سرّ» انفجار عين قانا، بدت «علبة أسرار» الملف الحكومي أكثر وضوحاً في تأشيرها إلى أفقٍ مسدود عبّر عنه مرور اقتراح رئيس الجمهورية ميشال عون لفكّ أسْر حقيبة المال التي باتت «القفل والمفتاح» في عملية التأليف مرور الكِرام مع عدم بروز أي اتجاهٍ لدى الثنائي الشيعي «حزب الله» - رئيس البرلمان نبيه بري للتخلي عن هذه الحقيبة بوصْفها عنواناً ميثاقياً ومدخلاً لتكريس شراكة المكوّن الشيعي في السلطة التنفيذية، علماً أنّ عون طَرَح حلاً يقوم على «إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية وعدم تخصيصها لطوائف محدَّدة بل جعلها متاحة لكل الطوائف».
وعلى وقع ما نُقل عن مصادر الثنائي الشيعي من أنهم «لن يأخذوا وزارة المال منّا ولو انتظروا 100 سنة»، كانت أجواء القصر الجمهوري تشي بأن عون الذي تَمايَز بوضوح عن «حزب الله»، ينتظر رد الفعل على مبادرته، معتبراً أنه «حتى الآن لم تظهر ردود الفعل باستثناء بعض الأوساط التي لا يمكن اعتبارها موقفاً رسمياً»، قبل أن يباغت الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري الجميع محاولاً إحداث كوّة في الجدار المقفل ورمي الكرة في ملعب كل الآخَرين (الثنائي الشيعي ورئيس الجمهورية) عبر خروجه عن صمته بموقف مدوٍّ بدا أقرب إلى سحب ذريعة اتهامه بالوقوف وراء الخطوط الدفاعية للرئيس المكلف مصطفى أديب المتشبّث بالمداورة التي لا تستثني «المالية» أو أي حقيبة أخرى.
فالحريري أعلن في بيان مساء أمس، أنه «أمام خطر فقدان لبنان لآخر المكابح أمام انهياره، قررتُ مساعدة الرئيس أديب على إيجاد مخرج بتسمية وزير مالية مستقل من الطائفة الشيعية، يختاره هو، شأنه شأن سائر الوزراء على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي»، مؤكداً «يجب أن يكون واضحاً أن هذا القرار هو لمرة واحدة ولا يشكل عُرْفاً يبنى عليه لتشكيل حكومات في المستقبل، بل هو مشروط بتسهيل تشكيل حكومة الرئيس أديب بالمعايير المتفق عليها، وتسهيل عملها الإصلاحي»، مضيفاً: «مرة جديدة، أتخذ قراراً بتجرع السم، وهو قرار أتخذه منفرداً بمعزل عن موقف رؤساء الحكومات السابقين، مع علمي المسبق بأن هذا القرار قد يصفه البعض بأنه بمثابة انتحار سياسي، لكنني أتخذه من أجل اللبنانيين».
ورغم أن مبادرة الحريري التي يُراد منها إنقاذ المبادرة الفرنسية شكّلت نصف حل للعقدة - الأم، فإن أوساطاً مطلعة سألتْ عن حقيقة موقف الثنائي الشيعي من مسألة تسمية الرئيس المكلف لممثليه في الحكومة بالنيابة عنه بعدما كان رسم خطاً أحمر حول هذا الموضوع (إلى جانب تمسكه بحقيبة المال)، ناهيك عن موقف الرئيس عون مِن تولي أديب منفرداً تسمية الوزراء وبمعزل عن التشاور مع الكتل البرلمانية التي سمّته هو الذي انتقد (أول من أمس) أن الرئيس المكلف «لا يريد الأخذ برأي رؤساء الكتل في توزيع الحقائب وتسمية الوزراء».
وفي أول ردّ فعل للثنائي الشيعي، نقلت قناة «الجديد» عن مصادره أن مبادرة الحريري «خطوة للأمام على أمل التواصل تجاه الرئيس عون لأنه شريك عملية التأليف»، مؤكدة أن «ما حصل بالساعات الأخيرة مشهد قد يكون إيجابياً حكومياً لناحية إعطاء الشيعة ما يريدون لكن المسألة لم تنتهِ بعد ولم تصل إلى خواتيمها».