قبل نحو ثلاثين عاماً في شارع متفرع من شارع أوكسفورد وسط لندن المكتظة أسواقها بالمارة، وجدت اكتظاظاً بشرياً مضاعفاً حول رجل أشقر أحمر عريض القفا يعرض بضاعته فوق كرتون وهو يصرخ بصوته الأجش «it’s all stolen/ إنها كلها مسروقة»! وذلك لتسويق مجموعة من سلاسل الزينة النسائية المطلية بالذهب والمعروضة بسعر رخيص جداً، ولتقتنع بأسباب رخصها وهي تلمع في عينيك ليس أفضل من هذه الحجة... إنها مسروقة، ولكن الواقع الذي اكتشفته وأنا أعاين البضاعة أنها رديئة جداً جداً ولا تصلح للارتداء ولا الإهداء.
بعد ذلك بنحو عشر سنوات، أي قبل عشرين عاماً، وفيما كنت مغادراً (المدينة المحرمة) وسط بكين بعد جولة سياحية ثقافية إعلامية، قررت شراء تذكار (سوفينير) مما يعرضه الباعة الجوالون في محيط القصر الذي سكنه (ماو تسي تونغ) بعد أباطرة الصين الغابرين، اشتريت «السوفينير» بنصف السعر الذي عرضه عليّ البائع، فحملته مزهواً وسعيداً ومختالاً بقدراتي الفذة التي مكنتني من الفوز بهذه القطعة وبنصف ثمنها!
وما هي إلا أمتار قليلة وأنا أقترب من «الباص» الذي سيقلنا إلى فندقنا من جديد، وجدت بائعاً جديداً يعرض عليّ القطعة ذاتها التي أحمل مثلها... سألته مزهواً بـ«شطارتي»... بكم؟... فصدمت، لأنه عرضها بنفس سعر الخمسين في المئة!... وهنا (كاسرته)، فقبل بيعها بنصف النصف... فقلت لنفسي سأشتريها لتبريد سعر القطعة الأولى، تماماً كما يفعل «البورصچية» عندما تتراجع أسعار أسهمهم.
عاودت المسير متجهاً إلى (الباص) لأكتشف أنني «ركبت الباص قبل أن أركبه»!... فقد وجدت عدداً من الباعة يحيطون بحافلتنا ويعرضون «السوفينير» ذاته علينا، ولكن بثمن بخس جداً هذه المرة... بـ«عُشر» الثمن فقط لا غير! عندها، بلعت ريقي وانتصب ظهري وقررت حفظ أموالي والتوقف عن ممارسة «الشطارة»... و«التبريد» وأنا كل مرة أدفع أضعاف ما تستحق القطعة التذكارية!
تذكرت هذه الحكاية وهذه التفاصيل وأنا أقرأ أمس خبر خفض وزارة الدفاع عقد «يورو فايتر» بنحو مليار دولار في تطبيقها لقرار مجلس الوزراء خفض المصاريف، وأنا أتساءل: مليااااااار؟ مليار مرة وحدة!... فرفعت أكفي بالدعاء ألا تكون «شطارتهم» مثل شطارتي وأنا أشتري «السوفينير الأول»!