لبنان الآن كأنه «جمهورية موت» يَحْكُمُها صراعٌ على «حقيبةٍ ملغومة» اسمُها حقيبة المال في الدولة المُفْلِسة... موتٌ في المرفأ، موتٌ في البيوت الآمنة، موتٌ في البحر، موتٌ في الغرف السوداء، موتٌ في الشارع، وموتٌ بـ «كورونا». كأن لبنان المُحْتَضِر يموتُ في مستهلّ مئويته الثانية... السياسةُ في «دُرّة الشرقيْن» ماتتْ وتُميتُ على عتبةِ وليمةِ الشهياتِ المفتوحة على السلطة بذرائع محلية وبأذرعٍ لمشاريعَ إقليمية تسترهن أرواحَ الناس وحبلَ النجاة وفرصَ الإنقاذ من تحت الأنقاض.
... إنهما إيلان الكردي وأكثر، وهذه المَرّة على قياس وطنٍ صارتْ أزماتُه تَنْهَشُ أبناءه الذين يعاندون «باللحم الحيّ» أنيابَ الجوع والفقر، فإذ بهم يطاردون أحلامهم الصغيرة خلف البحار علّها تطرد كوابيس العيش «من قلّة الموت» الذي لا يلبث أن ينقضّ عليهم من قلب الأزرق الكبير.
محمد وسفيان طفلان (يناهز عمرهما سنتين) كانا على «عبّارة موتٍ» (قضى عليها نحو 10 أشخاص) علقتْ لأيام في البحر في الطريق غير الشرعي إلى قبرص، فلم يقوَيا على مقاومة الجفاف ونقص الطعام فلفَظا أنفاسَهما تباعاً في أحضان ذويهما شربوا الكأس الأمرّ، رؤية أحدهما يحتضر «الدم بدأ ينزل من رقبته ثم من ظهره. فجّرت حرارة الشمس عروقه»، ثم القرار المُفْجِع بدفْنهما في البحر (لَفَظَ أمس محمد على شاطئ البترون)، «مات ابني سفيان بسبب العطش، كفنته بيدي، وغسلته بيدي، وبيدي رميته في البحر بعد ثلاثة أيام،لأنني فقدتُ الأملَ»، قال والده.
هو البحر نفسُه الذي كان شاهِداً في 4 أغسطس الماضي على «بيروتشيما» الذي «التهم» 193 شخصاً آخِرهُم لَفَظَ أنفاسَه أمس، فيما كانت عائلات عدد من ضحايا الانفجار الهيروشيمي الذي لم تكتمل بعد لائحةُ ضحاياه (ما زال 9 في عِداد المفقودين) ينفّذون تحركاً على مقربة من «مسرح الجريمة» في المرفأ مطالبين بتحقيقٍ لا يوفّر «الرؤوس الكبيرة» وإلا «الدم بالدم».
تحقيقٌ كي لا يُقْفَلَ ملف «انفجار القرن» على أنه «جريمة طائشة» (بفعل الإهمال) كما الرصاص الطائش الذي سدّد هدفاً قاتلاً في رأس لاعب منتخب لبنان في كرة القدم محمد عطوي الذي فارق الحياة الجمعة، بعد نحو شهرٍ من معاندته الهزيمة أمام موتٍ غَدَر به في كنف «دولة طائشة».
دولةٌ لم تعُد يومياتها تتسع لفواجع متدحْرِجة، لم يكن أقلّها مأسوية الجريمة المروعة التي ذهبت ضحيتها ابنة الـ 14 ربيعاً (زينب.ح) التي أُحرقت حيةً (بالبنزين) حتى آخِر رَمَقٍ على يد «جزاريْن» كبّلاها في غرفةٍ داخل شقة في ضاحية بيروت الجنوبية ليُعثر عليها جثة متفحّمة لم يُتِح تَشَوُّهها حَسْمَ منسوب الفظائع التي تعرّضت لها قبل «إعدامها رمياً بالنار».
فظائعُ تُنْذِر بما هو أدهى على جبهة «كورونا» الكاسِر الذي يتمدّد بشراسةٍ على امتداد لبنان الذي يَمْضي من رقمٍ قياسي إلى آخَر في الإصابات اليومية والوفيات التي سجّلتْ الجمعة وثبةً مُرْعبةً مع 18 حالة وفاة (بينها لشابٍ في الـ 18 من عمره) و750 حالة جديدة، وسط استسلامٍ رسمي بدا وكأنه رفعٌ للرايات البيض أمام «وحشٍ» يُخشى أن يحوّل استراتيجيةَ «مناعةِ القطيع الناعمة» قبوراً مفتوحةً.
كل هذا الموت الزاحِف يكتب فصولَه المُخيفة فيما البلاد ترتعد على وقع السيناريوهات السود للأزمة السياسية المستحكمة التي بات يختزلها منذ أسابيع ملف تشكيل الحكومة الجديدة التي يُراد أن تبطئ سرعةَ الانهيار المالي - الاقتصادي القاتِل على متنٍ المبادرة الفرنسية التي لم تلبث أن سحبتْها «الرمال المتحركة» اللبنانية الموصولة بخط الزلازل في المنطقة التي تتحرك صفائحها فوق الخرائط المهتزّة والساحات اللاهبة.
ولم يكن أدلّ على هذا الواقع من خلاصة «باقية وتتمددّ» الذي بات يحكم مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون لتشكيل حكومة من اختصاصيين لا ولاءات سياسية لهم وتحظى بقبول اللاعبين المحليين، وهي المبادرة التي تنتقل من «مهلةٍ أخيرة» إلى أخرى (موعدها الافتراضي الجديد والمرشّح للتمديد اليوم)، وسط ارتسام قراءة تضع هذا الأمر في سياق واحد من أمرين: أن المبادرة ماتت ولا أحد يجرؤ على إعلان وفاتها تفادياً لفتْح أبواب الجحيم على لبنان ولتَلقّي ماكرون صفعة مؤلمة تترك تداعياتٍ على حضور بلاده المستعاد في المنطقة، أو أن الرئيس الفرنسي يحاول هنْدسة مخرج لإنقاذ ماء الوجه يقوم على إرضاء «حزب الله» من دون إغضاب واشنطن.
وفي حين كان مسار تأليف الحكومة يراوح في دائرة المأزق الذي بدا معه الرئيس المكلف مصطفى أديب غير قادر على التقدّم أو التراجع مع صعود مختلف الأطراف على «أعلى الشجرة» التي صارت تستقطب المزيد من المتسلّقين على تخوم عقدةٍ - أم عنوانها تَمَسُّك الثنائي الشيعي (حزب الله) - رئيس البرلمان نبيه بري بحقيبة المال وتسمية وزرائه، رأت أوساط مطلعة عبر «الراي» أن القراءات للحسابات العميقة التي تتحكّم بالملف الحكومي تراوح بين حدّيْن يتشابكان:
* الأوّل داخلي ويتّصل باعتبار تكريس حقيبة المال للمكوّن الشيعي وفق معيارٍ ميثاقي بمثابةِ تعديلٍ «جيني» في نظام الطائف الذي تَعرّض في الأعوام الـ15 الأخيرة لعملية قضْم مُمَنْهجة لتوازناته، وهذه المَرة بغطاء فرنسي ثمين يستظّل مبادرة ماكرون.
* والثاني إقليمي - دولي يرتبط بصعوبة تَصَوُّر أن يُلاقي «حزب الله» الجولةَ الفاصلة في المواجهةِ الأميركية - الإيرانية التي ستتحدّد اتجاهاتُها في ضوء نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل بظهْرٍ مكشوف لبنانياً سيشكّله تسليمُه بحكومةٍ خارج أي «تحكُّم وسيطرة» له عليها وبتراجعاتٍ «غير واردة» تتصل بصُلْب الصراع الإقليمي كما بتجاوُز نتائج الانتخابات النيابية التي جعلتْه يُمسِك، و«بالنظام»، بكل مفاتيح السلطة.
وكان معبّراً في غمرة تَحوّل الملف الحكومي «جاذبة صواعق» سياسية داخلية تشي بإيقاظ «جبهات نائمة» واستدراج تعقيدات إضافية لمح إليها فريق رئيس الجمهورية ميشال عون (التيار الوطني الحر) ولم تنجح في كبْحها «ديبلوماسية الهاتف» التي كثّفها ماكرون في اتجاه عون وبري والرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، أسف وزارة الخارجية الفرنسية «لعدم التزام السياسيين اللبنانيين بتعهداتهم التي أعلنوها في أول سبتمبر وفق الإطار الزمني المعلن».
من جانبه (رويترز)، اقترح التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، «القيام بتجربة توزيع الوزارات المعروفة بالسيادية على الطوائف الأقل عدداً وبالتحديد على الدروز والعلويين والأرمن والأقليات المسيحية».
فرنسا تنفي تخزين «حزب الله»
مواد كيماوية
في أراضيها
باريس - رويترز - أعلنت فرنسا، أنه لا يوجد دليل يُشير إلى أن الجناح المسلح لـ«حزب الله» يخزّن مواد كيماوية لصنع متفجرات في أراضيها، وذلك بعدما قال مسؤول أميركي رفيع المستوى، إن الحزب اللبناني أقام مخابئ في أوروبا منذ عام 2012.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول للصحافيين، ليل الجمعة، «على حد علمنا، لا يوجد شيء ملموس يؤكد مثل هذا الزعم في فرنسا اليوم».
وأكدت أن «السلطات الفرنسية ستفرض أشد العقوبات على أي أنشطة غير قانونية تمارسها أي جماعة أجنبية على أراضينا».
وكان منسق وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز، قال الخميس، إن الحزب يهرّب ويخزّن مواد كيماوية، ومنها نترات الأمونيوم، من بلجيكا إلى فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا.
وأضاف في إفادة «أنه (الجناح المسلح) يخزّن هذه الأسلحة في أماكن حتى يتسنى له تنفيذ هجمات إرهابية كبيرة عندما يرى سادته في طهران ضرورة لذلك».
وأوضح سيلز أن المواد الكيماوية جرى تهريبها إلى أوروبا في عبوات للإسعافات الأولية، ومن المحتمل وجودها في إسبانيا واليونان وإيطاليا.