أبعاد السطور

الشخص المجهول في الحافلة

1 يناير 1970 08:24 ص

سافر مجموعة من الشباب في حافلة من الكويت إلى المدينة النبوية، من أجل مقابلة أحد العلماء الأجلاء هناك بعد أن أخذوا موعداً معه، وكان يرافقهم في تلك الرحلة شخص جلس في آخر مقعد بالحافلة، معظم وقته كان يقضيه في القراءة، والكتابة، ولم يكن يشاركهم في الحديث والنقاش والمزاح الذي كانوا يقطعون به الطريق، وإن توقفوا ونزلوا من الحافلة ليتناولوا الطعام كان ذلك الشخص هو آخر مَنْ يجلس على السفر، وأول القائمين منها، ثم يعود بهدوء ليركب الحافلة ومن ثم يواصل القراءة والكِتابة.
كان ذلك الشخص يرتدي غترة بيضاء أطرافها منسولة، وثوباً قديماً غير مرتب، ونظارة كبيرة الحجم. حتى أن معظم مَنْ كان معه في الرحلة ظنوا أنه شخص مسكين غلبان، جُل طموحه أن يرى المدينة النبوية، ويصلي في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، لذا لم يُعيروه اهتماماً، ولم يتحفظوا أمامه في حديثهم ومزاحهم وبعض الذي كان يدور بينهم في الحافلة.
وبعد أن وصلوا المدينة النبوية، اتجهوا للسكن الخاص بهم، واستراحوا بعض الوقت، ثم استحم كل واحد منهم، وبدّلوا ثيابهم، وتعطروا واستعدوا للذهاب لمقابلة ذلك العالِم الكريم، إلّا ذلك الشخص، فقد اكتفى بالاستحمام فقط، من دون أن يُغيّر أي شيء من هندامه.
وعندما وصلوا إلى ذلك العالِم، اتجه الشباب جميعهم للسلام عليه، واحداً تلو الآخر، حتى جاء دور ذلك الشخص وكان هو آخرهم، فلما رآه ذلك العالِم الجليل عانقه على الفور، وسلّم عليه بحفاوة وهو مبتسم ويسأله عن حاله وبعض أموره، ثم أمسك بيده وأجلسه إلى جانبه ودار بينهما حديث علمي. فأخذ الشباب يلتفتون إلى بعضهم البعض والخجل يحاصر وجوههم على عدم معرفتهم وتوقيرهم لذلك المُحقق المشهور، الذي طالما قرأوا اسمه على الكثير من الكتب التي قام بتحقيقها، لكنهم لم يكونوا قد رأوه من قبل.
خلاصة المقال: إن الذي يرفع الإنسان ويحيطه بهالة الشرف وتحقيق الرفعة، هي السمعة الطيبة والأعمال المتميزة التي يقدمها، لا نسبه ولا ماله ولا عِرقه ولا شهادته.