تحذير دولي من تهديد الجوع لنصف مليون طفل في بيروت
تزداد مظاهر «الدولة الفاشلة» في لبنان «المخطوف» الذي ينزلق إلى «غزة -2» وسط استعداءٍ متمادٍ للمجتمعيْن العربي والدولي ترجمةً لوقوعه أسير المحور الإقليمي الذي تقوده إيران.
ولم يكن أدلّ على واقع الدولة التي بدتْ وكأنها في طور التحلّل من مجموعة فواجع ناجمة إما عن تداعيات الانهيار المالي - الاقتصادي وإما عن أداء «الخبط عشواء» لسلطةٍ تراوح بين المكابرة والإنكار فيما البلادُ متروكةً فريسة الجوع والمرض (كورونا) وطبول حربٍ (مع إسرائيل) قد تقع غداً و... قد لا تقع أبداً.
ويختزل عيد الأضحى رزمةَ المصائب التي لا تنفكّ تهبط على رؤوس اللبنانيين الذين باتت صرخات آلامهم أعلى بكثير من أشلاء الآمال بإمكان شقّ ممرّ آمن عبر صندوق النقد الدولي يأتي بمثابة «طريق مختصرة» للخروج من... درب الجلجلة.
... من العتمة التي انطفأت معها بقايا النور في بيروت وعموم جمهورية الظلام، إلى كوابيس المعاناة المفتوحة لتوفير أبسط متطلبات العيش بحدّه الأدنى... بنزين أصبح يترنّح بين on و Off في محطات الوقود في ضوء عجز السلطة عن توفير آليات مستدامة لاستيراده، ومازوت بات رهينة ما يشبه «مثلث برمودا» معلوم مجهول يبتلع الأطنان قبل أن تصل الى وجهتها في دورة الحياة اليومية... وليس انتهاءً بفضائح تتنافس في حجم كارثيّتها وآخِرها تعذُّر تحويل رواتب المتقاعدين لشهر أغسطس قبل العيد بعد توقف النظام الالكتروني في وزارة المال لأسباب تقنية أُعلن أنها ناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي الذي تَسَبّب أيضاً بتوقف الخدمة في سنترال رياض الصلح وسط بيروت وتالياً انقطاع الاتصالات عن مناطق عدة، كما بتراجُع التغذية بالمياه في النطاق الخاضع لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان.
... هذه العيّنة المأسوية حضرت بقوة أمس، في لبنان الذي بدا وكأنه يرتدي الأسود عشية عيدٍ يحلّ بلا ألوان الفرح وفي رحاب الإقفال التام (لا يشمل المطار) الذي تعود إليه البلاد من اليوم وحتى 10 أغسطس (مع وقت مستقطع في 4 و 5 أغسطس) في محاولةٍ لوقف المسار الجارف لفيروس «كورونا» الذي صار العدد التراكمي للإصابات به حتى مساء الثلاثاء 4023 وبارتفاع دراماتيكي منذ معاودة فتْح المطار (في 1 يوليو) حيث سُجل في 25 يوماً 1825 حالة في مقابل 1778 في 131 يوماً قبلها.
ولم تكن الجائحةُ الخطر الوحيد الذي أَطْبَقَ على يوميات اللبنانيين التي ملأتْها في الساعات الأخيرة صورٌ مُخْزية لبيروت وهي ترْفع الرايات البيض أمام اجتياح العتمة التي لم يسبق أن قبضت عليها منذ الاجتياح الاسرائيلي في 1982، وأشرطةٌ مصورة لأطفال «ينزح» بهم أهلهم بحثاً عن بقعة كهرباء يحتاجونها لتشغيل أجهزة تنفس تفادياً لـ... الموت.
... فخط الفقر الذي لا ينفكّ يلتهم فئات جديدة وواسعة من اللبنانيين بات يرسم سيناريو مخيفاً لم تعُد تُخْفيه مراجع دينية ولا منظمات إنسانية في ظلّ توقعات بأن يراوح لبنان في الدائرة الجهنمية ولا سيما في ضوء عجْزه عن «مساعدة نفسه» بإصلاحاتٍ يحتاجها للنهوض ويشترطها المجتمع الدولي لدعْمه جنباً إلى جنب مع إخراجه من التموْضع في الفلك الإيراني، بل على العكس حيث تعمد السلطة إلى مفاقمة المأزق الشامل سواء عبر تكريس «حزب الله» واقع «الأمر لي» من خلال الإصرار على اقتياد البلاد التي تكاد أن تتحوّل هيكلاً عظمياً إلى عين التوتر العالي من بوابة الجنوب ومعادلات الردع الموصولة بالمنازلة الأميركية - الإيرانية، او عبر السقطات المتوالية لرئيس الحكومة حسان دياب الذي لم يتوانَ عن استهداف علاقات لبنان مع آخِر أصدقائه الدوليين، أي فرنسا، بهجومه غير المألوف على وزير خارجيتها جان إيف - لودريان «من خلف ظهْره»، من ضمن سلوكٍ صار يرتّب أضراراً كبيرة على مسار الإنقاذ المحفوف أصلاً بتعقيدات لا يُستهان بها.
وكانت بارزة أمس إشارتان عكستا المنزلق المصيري الذي يقف على مشارفه لبنان:
* الأولى تحذير مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في رسالة عشية عيد الأضحى من أنّ «المشكلات تتفاقم، والمجاعة تطرق الأبواب، ومئات آلاف اللبنانيين يفقدون موارد رزقهم، ومحاولات الإنقاذ هشة وغير جدية».
* والثانية تحذير منظمة «أنقذوا الأطفال» من أن نحو مليون نسمة في بيروت لا يملكون المال الكافي لتأمين الطعام، أكثر من نصفهم من الأطفال المهددين بالجوع جراء الأزمة الاقتصادية المتمادية في لبنان.
وقال مدير المنظمة بالوكالة في بيروت جاد صقر «سنبدأ بمشاهدة أطفال يموتون جوعاً قبل حلول نهاية العام»، مضيفاً «تضرب الأزمة الجميع، العائلات اللبنانية كما اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء».
في موازاة ذلك، شدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على أنّه يجب تغيير الرئيس دياب، واصفاً الحكومة الحالية بـ«حكومة الذئب».
وفي حديث لصحيفة «لوريان لو جور»، سُئل جنبلاط «هل حان الوقت للتفكير جدياً بتغيير رئيس الوزراء؟»، فأجاب: «نعم يجب التفكير جدياً بتغييره لأنّه فاقد الذاكرة amnésique»، مضيفاً أنّ «الوقت قد حان لتُدرك الجهات الراعية للحكومة خطورة الوضع الذي وضعنا فيه».
وفي حين فرض «زحف» كورونا إحياء عيد الجيش اللبناني عيده (الأول من أغسطس) بلا أجواء احتفالية، اختار زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري أن يطلّ من هذه المناسبة على مجمل الواقع الداخلي ويردّ ضمناً على «مضبطة الاتهام» التي وجّهها دياب (سحب مضمونها من الإعلام لاحقاً) بحق الأجهزة الأمنية، إذ أعلن «يضيء الجيش اللبناني غداً شمعته الخامسة والسبعين في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة وإدارة سياسية وحكومية تعمل على ضوء الشمع والديزل المهرّب وترمي المسؤولية على الأجهزة العسكرية والأمنية والمواطنين»، وأضاف: «جيش لبنان، قيادة وضباطاً وجنوداً بواسل، هو عنوان الدفاع عن السيادة والحدود والسلم الأهلي ولن يكون مكسر عصا لأحد من أهل السلطة أو غطاء لستر عيوب الحكم والحكومة».