من أقبح الصفات وأسوأ الفِعال، أن يسعى المرء بالوشاية والتحريض، من أجل الإساءة أوإلحاق الأذى بالخصوم والمنافسين أو المخالفين!
فقد كانت العرب تقول: السِّعاية قبيحة وإن كانت صحيحة!
وورد عن أهل العلم والفضل تشنيعهم وتحذيرهم من الوشاة والمحرضين، فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول للأشتر النخعي حين ولّاه على مصر: ولا تعجلن إلى تصديق ساعٍ، فإن الساعي غاشٌ وإن تشبّه بالناصحين.
وقال عن السُّعاة: كفى أن الصدق محمودٌ إلا منهم، وأن أصدقهم أخبثهم.
وكانوا يكرهون أن يأتي أحدهم فيتحدث عندهم أو في مجلسهم بالسوء عن الآخرين.
ورد في الحديث الشريف عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: «لا يُبلّغني أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئاً، فإنّي أُحِبُّ أنْ أَخْرُج إليكم وأنا سليم الصّدر».
ودخل رجلٌ على الخليفة عمر بن عبدالعزيز، فذكر له عن رجلٍ شيئاً فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية (إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبيّنوا)، وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية (همّازٍ مشّاءٍ بنميم) وإن شئت عفونا عنك؟
فقال الرجل: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً.
وتكلم رجلٌ عند الفضل بن سهل على آخر فقال له الفضل: إن صدقتنا أبغضناك، وإن كذبتنا عاقبناك، وإن استقلتنا أقلناك.
ويذكر التاريخ أن أقواماً وقع عليهم الظلم وتعرضوا للسجن والإيذاء ومنهم الإمام أحمد بن حنبل، والإمام ابن تيمية بسبب الوشاة.
فقد تعرض الإمام أحمد للسجن وللضرب بالسياط، بسبب الوشاة الذين كانوا يُحرضون السلطان حتى على قتله!
ويقول العمري عن ابن تيمية (لقد اجتمع على ابن تيمية عصب الفقهاء والقضاة بمصر والشام، فقطع ابن تيمية الجميع وألزمهم حججه الواضحات، فلما أفلسوا أخذوه بالجاه والحكام) لذلك تم سجنه وتعذيبه.
ولو تأملنا واقعنا لوجدنا أشكالاً من الوشاة والمحرضين قد يكون بعضهم مُغرّداً في التويتر رخيصاً، يُشتَرى بالمال ليُحرّض على دعاة وعلماء ومصلحين، وقد يكون منشداً أو قارئاً، وقد يكون من مشاهير وسائل التواصل، وقد يكون سياسياً، والأقبح من ذلك كله أن يكون المحرض ممن اقتدى بالسلف الصالح في الهيئة واللباس، وخالفهم بخبث النفس وسوء الطباع والأفعال.
إن من واجب أهل المسؤولية عدم الالتفات إلى هؤلاء المحرضين أو الاستجابة لنميمتهم، فلو أرادوا الخير فعلاً لما سعوا إلى تمزيق المجتمع، والتحريض على أبنائه.
تقول العرب: «الساعي غاشٌ، وإن قال قول المتنصّح».
Twitter:@abdulaziz2002