اكتملتْ المرحلةُ الأولى من إطلاق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي معركةَ «فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ» و«إعلان حياد لبنان وإعادةِ تثبيتِ استقلاله» و«تطبيق القرارات الدولية» بحمْل رأس الكنيسة هذا العنوان المثلث البُعد إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لوضْعه أمام مسؤولية رعايةِ مسارٍ إنقاذي أَعْلتْ بكركي مرتكزَه السياسي - السيادي على الجوانب التقنية - الإصلاحية للانهيار الكبير الذي تسعى السلطة وبلا طائل إلى معالجته جزئياً وبمعزل عن «الأوعية المتصلة» بين السقوط المالي - الاقتصادي وبين سقوط آخِر الخطوط التي كانت تفصل «الدولة» عن «حزب الله» بوصْفه «رأس حربة» في المشروع الإيراني المنخرط في حرب نفوذ شرسة بالمنطقة وضعت «بلاد الأرز» في مواجهةٍ مع الشرعيتين العربية والدولية.
واكتسبتْ زيارةُ الراعي لعون عصر أمس، أهمية كبيرة ولا سيما أن البطريرك الماروني كان وجّه حين دقّ قبل 11 يوماً جرس «إلى الحياد دُر» دعوةً مباشرةً إلى رئيس الجمهورية للعمل على تحرير الشرعية والقرار الوطني في موازاة نداء النجدة للأمم المتحدة والدول الصديقة لتطبيق القرارات الدولية، بما حَمَلَ إشاراتٍ واضحة إلى استشعار الكنيسة بالمخاطر الكبيرة التي تحدق بلبنان ووجوده وإلى أنها تلاقي في «انتفاضتها» المناخ العربي - الدولي الذي يربط تقديم «طوق النجاة» من الأزمة المالية بانتهاء صلاحية التعايش القسري بين «هانوي وهونغ كونغ» والذي اقتيدت البلاد إليه منذ ما بعد التحرير من الاحتلال الاسرائيلي (العام 2000) أولاً نتيجة مفاعيل «تلزيمها» للنظام السوري ووصايته (من 1990 حتى 2005) ثم بعدها بفعل تدجين «حزب الله» الوقائع الداخلية لمصلحة مشروعه الاقليمي وتقاطعاته.
ولم يكن عابراً أن يكون رفْع الكنيسة «عصاها» وتقدُّمها الصف الأمامي في رعاية ما يبدو أنه ثاني معركة وطنية في الألفية الثانية بعد «معركة استقلال 2005» نجح سريعاً في استقطاب التفاف لبناني عابِرٍ للطوائف حوله، عبّر عن نفسه تباعاً من خلال مواقف وازنة أًطلقت من دار الفتوى دعماً لمواقف الراعي وأخرى تلاقيه في منتصف الطريق مثل التي صدرت عن الهيئة العامة في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بحضور رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
وفيما كانت تتبلور داخلياً محاولاتٌ لـ «حياكة» حاضنة وطنية لخريطة الطريق التي رسمها الراعي على قاعدة تفادي استثارة مناخٍ استقطابي انقسامي والدفع نحو «حوارٍ إنقاذي»، وفق ما عبّر الرئيس فؤاد السنيورة، معلناً «مقصد البطريرك كما فهمنا منه جمْع اللبنانيين في حوار مفتوح بشأن القضايا الكبرى التي يمكن الإجماع حولها أن ينقذ بلدنا، وتحديداً في تحرير وإطلاق فعاليات الشرعية اللبنانية في أبعادها الوطنية والعربية والدولية، وتنفيذ القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 و1757»، استوقف دوائر سياسية موقف ذات دلالات للسفير السعودي في بيروت وليد بخاري الذي غرّد على صفحته على «تويتر»: «مفاعيل القرارات الدولية تبقى سارية المفعول، إلى أن تُنفَّذ»، مرفقاً التغريدة بوسم «يوميات ديبلوماسي».
وإذ كانت الأنظار شاخصة على المرحلة الثانية بعد إطلاق الراعي «دينامية الحياد» وتَحَوُّلها «بقعة زيت» لم يتضح بعد كيف سيحاول «حزب الله» وقف تَمَدُّدها ولا كيف سيتولى فريق عون إدارتها، بدا واضحاً أن تعمُّق مظاهر الانهيار المالي وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية يسرّع وتيرة الضغط الخارجي على لبنان لاعتماد خياراتٍ جذرية للخروج من الحفرة توائم بين التقني والسياسي ببُعده الاقليمي وهو ما يتوافر إطاره الدولي المزدوج عبر منصة صندوق النقد كما رزمة القرارات الدولية الناظمة للواقع اللبناني.
واستوقف الدوائر نفسها أن الموقف الدولي من وجوب تصحيح المسار السياسي يتحوّل «كرة ثلج» آخذة بالتدحرج، لافتة إلى أنه بعد إشارة الأمم المتحدة إلى «مسار إجباري» قد يكون على الأبواب لتنفيذ القرارات ذات الصلة بـ «بلاد الأرز»، كُشف أن الاتصالات على خط الخليج - اوروبا - أميركا بلغت حد تشكيل خلية أزمة تشارك فيها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والسعودية.
ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر ديبلوماسية أن الخلية التي أنشئت قبل نحو شهر «مهمتها تنسيق المواقف بين الدول الأربع من أجل لبنان، وهي عقدت اجتماعَها الأول في باريس، وتركّز النقاش خلاله على ضرورة الشروع بالاصلاحات ووجوب استعجال تلبية مطالب المجتمع الدولي التي اعلنتها مجموعة الدعم وأبلغتها تكراراً للرئيس عون لجهة التزام النأي بالنفس وإعلان بعبدا وتنفيذ القرارات الدولية ولا سيما الـ1559 (سلاح حزب الله)».
وتعاطت الدوائر مع كلام رئيس الحكومة حسان دياب عن تحريض جهات لبنانية لدى دول عربية لمنْع مساعدة بلدهم على أنه تعبيرٌ عن تَيقُّن السلطة من أن أبواب الدعم موصدة (ما خلا بعض المساعدات الغذائية أو الاجتماعية أو للجيش) وأن «مفتاحها» يرتبط بإخراج لبنان من الحضن الإيراني.