لا نية لدى بكين لخوض مواجهة مع الأميركيين... ولا أرباح مرجوة للمشاركين في «مبادرة الحزام والطريق»

طهران تصوّر «خريطة طريق»... اتفاقية إستراتيجية!

1 يناير 1970 01:55 ص
  • أمير طاهري لـ«الراي»:  الاتفاقية المزعومة مجرد  بيان ختامي للقاءات سابقة

ليست المرة الأولى التي تقع فيها «نيويورك تايمز» المرموقة والأقدم والأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، في أفخاخ دعاية الحكومة الإيرانية. في المرات السابقة، نشرت الصحيفة أن عدد مشيعي قائد «فيلق القدس» السابق الراحل قاسم سليماني، تعدى المليون، فيما أظهرت الصور أن العدد لم يتجاوز عشرات الآلاف.
هذه المرة، نشرت «نيويورك تايمز» مقالة ذكرت أنها حصلت فيها على سبق صحافي عبارة عن 18 صفحة هي نص «اتفاقية الشراكة» بين إيران والصين.
وأرفقت الصحيفة المقالة بصورة للقاء جمع الرئيس الإيراني حسن روحاني بنظيره الصيني شي جينبينغ، أثناء زيارة الأخير لطهران في العام 2016. وكتبت أن شي، هو الذي اقترح الشراكة الإستراتيجية حينها.
واعتبرت كاتبة المقالة فرنز فصيحي، وهي أميركية من أصل إيراني، أن الاتفاقية المزمع توقيعها من شأنها أن تقوّض سياسة «أقصى الضغط» التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران، والتي أدت لانهيار واسع لاقتصادها، بالتزامن مع تضخم كبير وانهيار في سعر العملة المحلية أمام العملات الدولية.
وخوفاً من أن تتخلف عن اللحاق بالسبق الصحافي، قامت الصحف الأميركية الأخرى، مثل «واشنطن بوست»، بإعادة نشر «موضوع الشراكة»، ونسبت معلوماتها إلى «نيويورك تايمز» وفصيحي نفسها. واهتم المسؤولون الأميركيون، والباحثون، والمتابعون، كما المعنيون في إسرائيل، بفحوى الاتفاقية، وراح بعض المعلقين الأميركيين والإسرائيليين يتحدثون عن خطورة الاتفاقية على الولايات المتحدة وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك على إسرائيل وأمنها.
وفي غمرة الانهماك بالتدقيق في الاتفاقية، والتواصل مع أميركيين خبراء في الشأن الصيني، ومع خبراء صينيين في الصين نفسها، بدا أن بكين غافلة عمّا يجري، وأن لا علم لدى القيادة بأي اتفاقية إستراتيجية مع ايران.
وقال الصحافي الإيراني المخضرم المعارض أمير طاهري، المقيم في لندن، لـ«الراي»، إن معارفه في مراكز الأبحاث الصينية أعربوا عن مفاجأتهم لدى سؤاله لهم عن الاتفاقية، وذكروا أنهم لم يسمعوا بالأمر، وأن النص المتداول هو عبارة عن بيان ختامي لزيارات إيرانية رسمية بين الصين وإيران، وأن هذه النصوص يتم تدبيجها عادة من حيث اللياقة، وتتضمن الحديث عن بناء علاقات إستراتيجية ومميزة. لكن الأمر لم يتحول إلى تحالف إستراتيجي أو اتفاقية، كالتي يتحدث عنها الإعلام الأميركي.
والاتفاقية المزعومة مدتها 25 عاماً، وتقوم طهران بموجبها ببيع الطاقة بتخفيضات وحسومات كبيرة لبكين. في المقابل، تقوم الصين باستثمار مليارات الدولارات في قطاعات إيرانية، مثل الطاقة والبنية التحتية، وهو ما يساعد في لجم تدهور الاقتصاد ورفده بالدولارات التي يحتاج اليها.
وسبق لروحاني أن أدلى بتصريحات، في 22 يونيو الماضي على إثر اجتماع لحكومته، أشار فيها إلى أن التعاون مع بكين «يمهد الطريق للتعاون في المشاريع الرئيسية وتطوير البنية التحتية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق العظيمة»، مضيفاً أنها «فرصة لجذب الاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل الصناعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات».
وقال روحاني إن «تعزيز الفرص المتاحة للدول للحصول على المنافع المشتركة طريقة معقولة لتحسين الأمن الإقليمي والدولي»، كما أن «ربط الأمن والتنمية من خلال تعددية الأطراف سيضمن السلام والتقدم للمجتمع البشري»، مشيراً إلى «الأهمية الإستراتيجية للمعادلات الجديدة في العلاقات بين طهران وبكين».
لكن الرئيس الإيراني لم يسم التعاون اتفاقية، بل أسماه «خطة» أو «خريطة طريق مدتها 25 عاماً للعلاقات الإستراتيجية مع الصين»، حسب الصحيفة الإيرانية الناطقة بالإنكليزية «فاينانشال تريبيون»، التي أوردت أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف كان قدمها «إلى السلطات الصينية خلال زيارته لبكين في أوائل 2019»، وتوجز «رؤية لتعاون طويل الأمد في مختلف القطاعات».
كيف صارت الخطة الإيرانية التي تقترحها بكين على طهران، اتفاقية وتحالفاً إستراتيجياً؟ الاجابة تكمن على الأرجح في أن الخطة الإيرانية لا تزال خطة، وأن الدعاية الإيرانية حوّلتها لاتفاقية ناجزة ومبرمة، بل اعتبرت أنها انتصار مكتمل على الولايات المتحدة وعلى ترامب وعقوباته.
ويشير مسؤولون أميركيون لـ «الراي»، إلى أن لا مؤشرات لديهم أن الصين تنوي خوض مواجهة مع الأميركيين حول إيران، أو في شأن مواضيع متعددة أخرى حول العالم، بل أن المسؤولين الأميركيين يشيرون إلى أن بكين لا تزال تسعى لخطب ود واشنطن، كما بدا جلياً في طلبها، الأسبوع الماضي، شراء 1.35 مليون طن من الذرة لهذا العام، وهو أكبر طلب صيني منذ العام 1994.
كذلك طلبت بكين من واشنطن شراء 320 ألف طن من القمح. ويعود الطلب بأرباح ضخمة على القطاع الزراعي، وعلى الاقتصاد الأميركي في شكل عام، وهو ما فسّره المراقبون الأميركيون على أنه خطوات صينية لتحسين العلاقة المتوترة بين البلدين.
في الوقت نفسه، أشار المسؤولون الأميركيون أنه رغم معارضة الصين لإعادة فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على طهران، بسبب برنامجها النووي، إلا أن بكين التزمت العقوبات التزاماً كاملاً، ولا مؤشرات تدل على أنها تنوي المخاطرة بأن تطول شركاتها نفس العقوبات المالية الأميركية في حال تعاملت مع إيران.
وتوضح التقارير الأميركية، أن الاستثمارات الصينية في إيران تبلغ 18 مليار دولار، وهو رقم ليس مرتفعاً ولا يشي بأي سياسة إستراتيجية، خصوصاً مقارنة بدول الجوار، مثل المملكة العربية السعودية، التي تبلغ الاستثمارات الصينية فيها أكثر من 25 ملياراً.
ختاماً، يرى مسؤولون أميركيون أنه رغم اعتقاد إيران أن لديها فرصاً اقتصادية عن طريق الانخراط بـ«مبادرة الحزام والطريق الصينية»، إلا أن هذا المشروع لا يعود بالأرباح المرجوة على الدول المشاركة أو التي تنوي المشاركة فيه.
ويشيرون إلى فساد واسع يسود التزامات هذا المشروع، والى نفاد التمويل الصيني المخصص له، وإلى أن بكين تقوم بتنفيذ أجزاء منه في الدول الأخرى على طريقة «بناء وتشغيل ونقل»، أي تستعيد قيمة استثماراتها برسوم مباشرة على المركبات الإيرانية، وهي رسوم تكبح من النمو الاقتصادي المنشود.