... إنها «الوصْفة القاتلة» أن يطلّ انهيارُ منظومة الدفاع الوقائي - الصحي بوجه فيروس كورونا المستجد برأسه فيما لبنان يُصارِع الانهيارَ المالي - الاقتصادي وسيناريوهاته المُرْعِبة معيشياً واجتماعياً وسط ارتسام ممرّ شَرْطي للإنقاذ على مساريْ الإصلاح وإخراج بيروت في تموْضعها الإستراتيجي من «المدار» الإيراني وتأثير «حزب الله» الكاسِر للتوازنات في قرارها السياسي.
وشكّل تسجيل لبنان أمس، «يوم الذروة» في إصابات «كورونا» التي تجاوزت الـ 160، وهو رقم قياسي منذ رصْد أول حالة في 21 فبراير الماضي، «صفعةً» موجِعة لكل إستراتيجية الاحتواء لهذا الفيروس، لم تخفّف من وطأتها تطميناتُ وزارةِ الصحة بأن هذه القفزة المُخيفة لا تعني أن «كوفيد - 19» خرَج عن السيطرة «لأن الرقم معلوم المصدر وجاء نتيجة عملية ترصُّد».
ولم تُخْفِ أوساطٌ متقاطعة خشيةً كبيرة من أن تكون البلاد دخلتْ «الموجة الثانية» الأعتى من «كورونا»، متخوّفة من «السوابق المتسلسلة» التي تَلاحقتْ في الأيام الأخيرة التي حملتْ تباعاً تسجيل أعلى 3 أرقام توالياً في يوم واحد، بدءاً من 71 حالة الجمعة، ثم 86 السبت، و166 أمس، وصولاً إلى رسو العدد التراكمي للإصابات في أسبوع واحد على الرقم الأكبر منذ انطلاق عدّاد «كوفيد - 19».
وما جَعَل هذه الأوساط تدقّ ناقوس الخطر، هو تَوسُّع بؤر الإصابات جغرافياً واقتحام «كورونا» مخيمات اللاجئين الفلسطينيين (3 إصابات في مخيم الرشيدية - صور)، والأهمّ عدم وضوح الصورة بعد حيال حجم تشظيات «الخرق» الخطير الذي حقّقه الفيروس في جسم شركة تنظيفات كبيرة تم رصْد إصابات في صفوف 131 من عمالها السوريين و11 من اللبنانيين، وسط تَرقُّب لنتائج الفحوص لباقي الموظفين (الشركة تضم 800 موظف وكان أخضع نصفهم للفحوص) ولـ«حصْر أضرارِ» اختلاط هؤلاء مع شركة ثانية كبرى للنقل (تضم 600 موظف) ومع شركة ثالثة للمقاولات والأشغال (نحو 400 موظف) وكل هؤلاء سيخضعون لـ PCR.
وإذ نقل الصليب الأحمر اللبناني أمس، الـ131 موظّفاً من مبنى سكني يقطنون فيه بمنطقة رومية إلى مبنى مخصص للحجر الصحي في منطقة الكرنتينا (اللبنانيون الـ11 حُجروا في منازلهم)، يسود حبْس الأنفاس حيال الخطوة التالية للسلطات في بيروت لوقف السقوط بلا كوابح في فخّ «كورونا» وما قد يسببه تَفَلُّت الإصابات وتجاوزها الـ200 يومياً من ضغوط «قاصمة لظهْر» القطاع الصحي الذي يعاني أساساً تداعيات الأزمة المالية والذي وقعت بعض أطقمه الطبية «فريسة» الوباء، في ظل انطباعٍ بأن بيروت ليست في وارد العودة إلى الإقفال التام وستمضي في استراتيجية «مناعة القطيع الناعمة» وإن مع إجراءات احترازية ستُبحث اليوم، مثل إلزام وضع الكمامات وتسطير محاضر الضبط بحق المخالفين وعزْل مناطق، كما حصل في اليومين الماضييْن مع بلدتيْ البازورية وجبال البطم في صور.
وجاء «كابوس كورونا»، ليقلب الأولويات في لبنان الذي كان مأخوذاً بنافذةِ الأملِ بتدعيم «الصمود المعيشي» لأبنائه من خلال حركة الملاحة المستعادة (ولو بحدّها الأدنى) عبر مطار رفيق الحريري الدولي الذي تحوّل «جسراً جوياً» لنقْل الدولارات الطازجة إلى البلد، ومشدوداً إلى نتائجِ المحاولاتِ التي انخرط فيها الائتلافُ الحاكِم من ضمن توزيع أدوارٍ على طريقة «الشرطي السيئ - الشرطي الجيّد» لإحداث كوّة في جدار الضغط الأميركي الصاعِد نحو الذروة على المحور الإيراني والذي باتت بيروت في «عيْنه»، وذلك عبر قيادة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله جبهةَ تفكيك حلقة الضغط المتراصّة التي يشكّلها «قانون قيصر» مصعّداً ضدّ واشنطن وطارقاً أبواب «الشرق» تحت شعار «لن نركع ولن نجوع» و«سلاحنا خارج المساومة» وفاتحاً الطريق أمام السلطة التي يُعتبر قاطرتَها للسعي إلى استدراج دعْم عربي ودولي أو أقلّه تخفيف القيود الأميركية «تلافياً لترْك لبنان يسقط بالكامل في أحضان إيران».
وفي حين اختارتْ اسرائيل أمس، «تذكيرَ» اللبنانيين بالذكرى 14 لحرب يوليو 2006 عبر خروق واسعة للأجواء اللبنانية وغارات وهمية وسط مخاوف لا تستكين من إمكان أن تستيقظ «الجبهة النائمة» جنوباً بـ«شرارةٍ» تتطاير من «طنجرة» ضغط الحد الأقصى أو بقرارٍ كبير، بدت بيروت في حال تَرقُّبٍ لما سيحمله الأسبوع الطالع على صعيد انكشاف حقيقة المناخات عن اختراقاتٍ حققتْها السلطة مع دول خليجية وعن تراجعاتٍ فُرضت على وتيرة الاندفاعة الخشنة الأميركية، وسط رصْدٍ لزيارةٍ مرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف - لودريان الذي كان حَسَم قبل أيام موقف بلاده الذي رَبَط أي مساعدة للبنان بأن «ساعِدوا أنفسكم كي نساعدكم» عبر تنفيذ الإصلاحات الشرْطية لبلوغ تفاهُمٍ مع صندوق النقد الدولي كما لتعويم مقررات «سيدر»، والنأي عن صراعات المنطقة.
وعلى وقع هذا الانتظار الذي يملأه استمرار تسجيل الدولار انخفاضاً في السوق السوداء حيث بلغ أمس 6500 ليرة للدولار الواحد (كان قارب 10 آلاف ليرة قبل نحو عشرة أيام)، مضى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رفْع الصوتِ بوجه «حزب الله» من دون تسميته، من ضمن ما بدا أنه مسارٌ لمعاودة تأكيد أولوية تصويب المسار السياسي و«وضْع الإصبع» على جوهر المشكلة لجهة ضرورة وجود «دولة لا تتنازل عن قرارها وسيادتها أكان تجاه الداخل أم الخارج»، ورفْض «أن يتفرد أي طرف بتقرير مصير لبنان، بشعبه وأرضه وحدوده وهويته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته، بعدما تجذّرت في المئة سنة الأولى من عمره، وأن تعبث أي أكثرية شعبية أو نيابية بالدستور والميثاق والقانون، وبنموذج لبنان الحضاري، وأن تعزله عن أشقائه وأصدقائه من الدول والشعوب، وأن تنقله من وفرة إلى عوز، ومن ازدهار إلى تراجع من رقي إلى تخلف».
واستذكر الراعي في عظة الأحد، «ان القديس البابا يوحنا بولس الثاني سمى لبنان رسالة ونموذجاً للشرق كما للغرب»، معتبراً أنه «من أجل حماية لبنان ورسالته من أخطار التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة في المنطقة، وتجنب الانخراط في سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وحرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، وفتْح آفاق واعدة لشبانه وشاباته، والتزاماً منه بقرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، والمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وبتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، أطلقتُ النداء في عظة الأحد الماضي إلى الأسرة الدولية لإعلان حياد لبنان» الذي اعتبره مكملاً لمحطتيْ إعلان دولة لبنان الكبير 1920، وإعلان استقلاله الناجز في 1943.
ورأى أن «التأييد الكبير لموضوع الحياد، من مرجعيات وقيادات وأحزاب وشخصيات وشعب من مختلف الطوائف، يعني أن اللبنانيين يريدون الخروج من معاناة التفرد والإهمال. ويريدون مواقف جريئة تخلص البلاد، لا تصفية حسابات صغيرة».