من مجموع الإرادة والقدرة يتكون العمل، وكل إنسان يملك درجة من الإرادة، ولكن لا نتناسى أن الإرادة والقدرة تتفاوتان بين شخص وآخر، والمشكلة في معظم الناس ليست في ضآلة إمكاناتهم وطاقاتهم، وإنما في افتقارهم إلى القدر المطلوب من الإرادة والعزيمة والتصميم. قد نجد شخصين كل منهما يملك القدرة على قراءة شيء نافع ساعة كل يوم، لكن الذي يفعل ذلك أحدهما، أما الآخر فيؤثر الاستلقاء أو مسامرة الأصدقاء.
للأسف الشديد أن قدرات الناس تزداد اليوم على نحو مدهش بسبب معاونة المنتجات التقنية المختلفة، في الوقت الذي ترتفع فيه نِسب أولئك الذين يُذعنون لرغباتهم وأهوائهم، وهذه الوضعية ناشئة من عدة أمور منها... تراجع مستوى الاستقامة الحق لدى كثير من الناس، أضعف إرادتهم، حيث قلّ الحافز على أعمال الخير، وقلّ الرادع عن الجري خلف المتع والشهوات، كما أن النظرة إلى الدنيا على أنها ممر إلى الآخرة قد تغيرت في البنية العميقة لثقافتنا لدى كثير من الناس.
كثرة الأشياء المحيطة بالإنسان أوجدت متطلبات وضغوطاً جديدة عليه، مما قيد إرادته وقنن حركته، كما أنه أسهم كثير من الفلاسفة وعلماء النفس إسهاماً سلبياً في هذه القضية، حين أعطوا لبعض العوامل ثقلاً نوعياً في السيطرة على التصرفات، فقد كان «نيتشه» وكذلك «شوبنهور» ينكران حرية الإرادة، ومدرسة التحليل النفسي تقول إن الشهوة (اللبيدو) هي العامل المسيطر على تصرفاتنا. ومدرسة السلوكيين تنفي وجود شيء يسمى الإرادة أو الوعي، وكل شيء عندهم يفسّر في ضوء الإثارة والاستجابة، ونتيجة للثقافة النفسية والسلوكية السائدة صار كثيرون يعتقدون أن الإنسان إذا بلغ سن النضج صعب عليه بعد ذلك أن يغير شيئاً من عاداته وأخلاقه.
ختاماً نكتب لمن يريد أن يقوي إرادته فليحاول أن يتخذ من بعض الشخصيات الناجحة والمتفوقة مثلاً أعلى، فمعظم الناجحين يملكون قوة الإصرار على المضي مهما كانت الصعاب، وقراءة سِيرهم ومعرفة أخلاقهم وعاداتهم، كل ذلك يجعل المرء يقلدهم ويقتدي بهم، وإذا ما عثر على بغيته فإن سِيَرهم ستشكل له البيئة الجديدة والمساندة في دعم إرادته وتقويتها، وتاريخنا الإسلامي غني جداً بالنساء وبالرجال الأفذاذ الذين صنعوا العجائب في أسوأ الظروف، وحسبنا بسيرة أفضل خلق الله النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وبِسيَر أصحابه الكرام ففيها ما يكفي ويغني ويفيض.