لبنانيون يعجزون عن ملء «ثلاجاتهم بالطعام»
... «إلى الوراء دُرْ». هكذا يمكن اختصار مرحلة ما بعد الحوار الذي ينعقد اليوم في القصر الجمهوري بدعوة من الرئيس اللبناني ميشال عون والذي بات واضحاً أنه سيشكّل «خطواتٍ إلى الخلْف» في الوضع السياسي يُنتظر أن تكون لها ارتداداتٌ أكثر «فتْكاً» بالواقع المالي - الاقتصادي في اللحظة التي تَمضي البلادُ في السقوط داخل حفرة بلا قعرٍ على وهج الارتفاع «المتوحّش» والذي يبدو بلا سقوف في سعر صرف الدولار الأميركي (تجاوز أمس 6200 ليرة للدولار في السوق السوداء) وفي ظلّ الطريق «غير السالكة» في المفاوضات المضنية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل إنقاذي.
ومع المفاجأة غير المفاجئة بإعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أمس، عدم مشاركته في حوار اليوم، اكتمل نصابُ المقاطعة المسيحية التي تشمل الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل وزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، ليبدو العهد للمرة الأولى منذ العام 2016 في «عراء» مسيحي، وحكومتُه في «عراء» سني في ضوء مقاطعة رؤساء الوزراء السابقين سعد الحريري، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام.
ولم تكن مقاطعةُ جعجع، العنوانَ الوحيدَ في المشهد السياسي المتّصل بالحوار، إذ شكّلتْ «المشاركةُ الرمزيةُ» التي ستكون للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي تَراجَعَ عن الحضور شخصياً وأوفد نجله تيمور مكانَه تطوراً ذي دلالات عدة رغم ربْطها بـ«أسباب صحية».
ولم يكن عابراً في رأي أوساط سياسية، أن تكون مقاطعةُ نحو نصف المدعوين الى الحوار (9 من 20)، استندتْ إلى أبعاد سياسية انطوتْ على إدراكٍ لأثمان توفير حاضنة ولو شكلية لـ«الخيار الإيراني» الذي بدا أن «حزب الله» يقتاد البلاد في اتجاهه بمواجهته لـ«قانون قيصر» الأميركي، وهو ما بدا في خلفية مجاهرة رؤساء الحكومة السابقين بافتقاد الحوار وجدول أعماله إلى «خريطة طريق» تفْضي لعودة لبنان إلى «احترام قرارات الشرعية العربية والدولية والنأي بالنفس عن مشاكل المنطقة»، وصولاً لما ذهب إليه جعجع للمرة الأولى بإطلاقه «إشارة فِلّ» لعون و«المجموعة الحاكمة»، معتبراً أن «بيت القصيد فيها أنها كلها في موقعٍ واحد من الرئيس إلى الأكثرية النيابية والحكومة كاملةً» وقد «أثبتت فشلها الذريع وأوصلت البلاد إلى وضع لم تعرفه منذ مجاعة الحرب العالمية الأولى وإلى مكانٍ لم تستطع الاحتلالات والغزوات تحقيقه».
وبعدما ردّ جعجع على عنوان حماية السلم الأهلي الذي ارتكزتْ عليه الدعوة إلى الحوار «اللي مش مفهوم راسه من كعبه»، متّهماً السلطة الحاكمة بأنها «هي مَن يهدّد الاستقرار»، مذكّراً بأن «فريق العهد» (رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل) استحضر قبل نحو عام «ومن حيث لا ندري أحداث 1860 وذهب الى طرابلس وحاول تأليب أهلها على فئة من المسيحيين، في حين أن حلفاء العهد هم من كسروا وحرقوا في وسط بيروت وحاولت جحافل موتوسيكلاتهم دخول عين الرمانة»، ليخلص إلى أن «الدعوة لهذا الحوار هي، إما لذرّ الرماد في العيون و اما محاولة تحميل الآخرين مسؤولية فشل هذه السلطة ووضْعنا في المغطس نفسه».
وتُبدي الأوساط السياسية، في ضوء اتساع حلقة مقاطعي الحوار، الخشية من تداعياته على صعيد الواقع السياسي الداخلي كما تشظياته على مستوى نظرة الخارج للوضع اللبناني ومدى قابليّته لتلقُّف أي دعم يمكن تثميره عبر إصلاحات جدية ومؤلمة تتطلب توافقاً سياسياً وقبولاً شعبياً وتحييداً للبنان عن صراعات المنطقة، معتبرةً أن «أوكسيجين» صمود اللبنانيين أمام أعتى الأزمات التي تضربهم بدأ ينفذ، هم الذين باتت وسائل الإعلام العالمية تضجّ بصورٍ لمعاناتهم غير المسبوقة وكان آخِرُها صورةٌ مؤلمة وكأنها «تحكي ألف قِصة وغَصة» من داخل عشرات المنازل لأشخاصٍ يحبسون الدمعة أمام ثلاجاتها الخالية من الطعام، والعاجزين حتى عن ملئها بالخضار والألبان واللحوم.
واستوقف الأوساط نفسها تَعَمُّد بري عشية الحوار إطلاق مواقف عالية النبرة اعتبر فيها ان «انهيار سعر الليرة أمام الدولار يفرض إعلان حال طوارئ مالية، ومن غير المقبول بعد الآن جعْل اللبنانيين رهائن للاسواق السوداء»، معلناً «يخطئ الظن مَن يعتقد ان صندوق النقد أو أي جهة مانحة يمكن ان تقدم لنا المساعدة بقرش واحد اذا لم ننفذ الاصلاحات».
من ناحية ثانية، أكدت وزارة الخارجية «تضامُن لبنان حكومة وشعباً مع السعودية في مواجهة اي محاولة لاستهداف أمنها واستقرارها».
في واشنطن، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن واشنطن مستعدة «للتواصل مع حكومة لبنانية تنخرط بإصلاح حقيقي»، موضحاً أن «التحول الجوهري الذي يمكن أن تعتمده الحكومة اللبنانية هو الابتعاد عن حزب الله».