في سبتمبر الماضي، مر أقل من أسبوع بين خروج جون بولتون غير الرسمي من البيت الأبيض وبين ظهور أول تصريح له أعلن من خلاله اعتزامه تأليف كتاب عن فترة عمله كمستشار للأمن القومي.
وبعد مرور تسعة أشهر فقط، أصبح كتابه الذي يحمل عنوان «غرفة حسم القرارات: مذكرات عن البيت الأبيض» (The Room Where It Happens: A White House Memoir) هو رقم 1 في قائمة موقع (أمازون) للكتب الأكثر مبيعاً، وهو الكتاب الذي من المقرر أن يبدأ طرح نسخه الورقية للبيع غداً.
الكتاب المرتقب ممتلئ بالإفصاحات المثيرة التي تكشف عن معلومات تفضح وقائع مشينة وصادمة وطريفة في بعض الأحيان تتعلق بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما أنها تتطرق إلى استعراض أمور حساسة جرت في دهاليز اجتماعات البيت الأبيض، سواء على مستوى السياسات الداخلية أو على مستوى السياسة الخارجية.
نسلط الضوء في التالي على أبرز «الصفعات» التي وجهها بولتون إلى ترامب في سياق كتابه المرتقب الذي بدأ البيت الأبيض في بذل محاولات سعياً إلى وأده في مهده قبل أن يبصر النور، لكن أول محاولاته باءت بالفشل، بعد أن قرر قاضٍ فيديرالي رفض دعوى مستعجلة طالبت بحظر نشر الكتاب الذي أحدث ضجة كبرى في داخل الولايات المتحدة وخارجها حتى قبل أن يبدأ تسويقه تجارياً.
سلط بولتون في سياق كتابه المرتقب، الضوء على محادثة دارت بين ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ خلال اجتماع مجموعة العشرين في يونيو 2019 في مدينة أوساكا اليابانية، موضحاً أن ترامب أخبر نظيره الصيني بأن مزارعي الغرب الأوسط الأميركي هم المفتاح لإعادة انتخابه في نوفمبر المقبل، وأن الرئيس الأميركي حض شي على مساعدته في تعزيز حظوظه الانتخابية المقبلة من خلال تكثيف شراء الصين للمنتجات الزراعية الأميركية، ملمحاً بأن يعمل في مقابل ذلك على إلغاء بعض التعريفات الجمركية على الصين.
ويوضح بولتون أن ترامب «راح يكرر التأكيد خلال تلك المحادثة على أهمية تأثير أصوات المزارعين الأميركيين وزيادة المشتريات الصينية من فول الصويا والقمح الأميركي على نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة».
وفي هذا الصدد، يقول بولتون أيضاً إن من «الصعب بالنسبة إليّ أن أتذكر قراراً واحداً اتخذه ترامب خلال فترة ولايته في البيت الأبيض ولم يكن مدفوعاً بحسابات إعادة انتخابه».
رئيس لأكثر من فترتين!
وفي إطار محادثات ترامب مع شي، يكشف بولتون عن أن ترامب ذهب في أحد اجتماعاتهما إلى حد الإيحاء لنظيره الصيني، بأن هناك أميركيين كثيرين متحمسون جداً لفكرة إجراء تعديلات دستورية ليتسنى له أن يستمر في منصبه كرئيس للولايات المتحدة لأكثر من ولايتين.
وكتب: «في إحدى المرات، قال الرئيس الصيني لترامب إنه يرغب في مواصلة التعاون معه لمدة ست سنوات مقبلة، فأجابه ترامب بأن أميركيين كثيرين يقولون إنه يجب إلغاء القيد الدستوري الذي يحدد فترتين فقط لولاية اي رئيس، وأنه ينبغي إلغاء ذلك القيد من أجله».
ويضيف بولتون: «قال الرئيس الصيني (خلال الاجتماع) إنه يرى أن الولايات المتحدة تقوم بإجراء الكثير جداً من الانتخابات، وأنه لا يرغب في التوقف سريعاً عن التعاون مع ترامب، وهو القول الذي أومأ ترامب برأسه موافقاً عليه».
معسكرات الأويغور
يصف بولتون العديد من الحالات التي يخوض فيها ترامب في قضايا متعلقة بالصين بعد مكالماته ومحادثاته مع نظيره الصيني، ومن أبرزها معسكرات الاعتقال الجماعي التي تستخدمها بكين في سجن و«إعادة تأهيل وتثقيف» المسلمين الأويغور.
ويكتب بولتون انه وفقاً لمترجم أميركي كان موجوداً في الغرفة خلال اجتماع ثنائي جمع بين شي وترامب على هامش قمة مجموعة العشرين في يونيو 2019، قال الرئيس الأميركي إنه يجب على نظيره الصيني المضي قدماً في بناء تلك المعسكرات، قائلاً إنه يرى أنها «الشيء الصحيح بالضبط الذي ينبغي فعله».
ويضيف بولتون أنه كان واضحاً جداً بالنسبة له أن حرص ترامب على إنجاح المفاوضات التجارية آنذاك مع الصين جعله غير راغب في معاقبة بكين على قمعها لأقلية الأويغور المسلمة.
وعن ذلك يتابع بولتون: «لم يكن القمع الديني في الصين على أجندة ترامب مطلقاً؛ سواء في ما يتعلق بالكنيسة الكاثوليكية هناك أو فالون جونغ، أو غير ذلك».
بومبيو يمتدح... ويشتم!
يصف بولتون في كتابه اجتماعاً بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي، ألقى خلاله كيم جونغ أون بلائمة اضطراب العلاقات بين بيونغ يانغ وواشنطن على تصرفات الإدارات الأميركية السابقة. وفي سياق تأكيده لسلسلة الاجتماعات التي عقدها هو وترامب، أخبر كيم، الرئيس الأميركي أنه بإمكانهما تبديد عدم الثقة والعمل بسرعة نحو اتفاق نووي.
ويضيف بولتون أنه بعد ما أخبر ترامب، كيم بأنه سيطلب مصادقة مجلس الشيوخ على أي اتفاق يتم إبرامه مع كوريا الشمالية، قام وزير الخارجية مايك بومبيو بتمرير قصاصة ورقية إليه (إلى بولتون)، وقد كُتب عليها بخط يده عبارة «إنه (ترامب) ممتلئ بالهراء»، في إشارة ساخرة إلى غباوة ما يقوله.
ويتابع بولتون: «وافقته الرأي بإيماءة برأسي»، مشيراً إلى أن كيم وعد خلال الاجتماع بعدم إجراء المزيد من التجارب النووية.
التهديدات ضد إيران
وكتب بولتون في كتابه، انه في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء 14 مايو 2019، «علمنا أن إيران قد ضربت مرة أخرى بين عشية وضحاها وقصفت اثنتين من محطات الضخ على امتداد خط أنابيب النفط الذي يربط بين شرق المملكة العربية السعودية وغربها».
وتابع: «على الرغم من أن الحوثيين اليمنيين زعموا مسؤوليتهم عن ذلك القصف، كان هناك في البيت الأبيض من يعتقدون أن ذلك الهجوم جاء من ميليشيات شيعية في العراق، لكنه في كلتا الحالين تم تحت إشراف إيران وسيطرتها».
وأضاف مستشار الأمن القومي السابق: «في هذه المرة، أبلغ السعوديون عن هذين الهجومين بشكل علني (عبر وسائل الإعلام)، ولذلك ذهبت لمقابلة ترامب في حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحاً. جاء رد فعل ترامب على الخبر هادئاً، لكنه قال عن إيران: إذا ضربونا، فسنضربهم بشدة، أستطيع أن أؤكد لك ذلك».
وبينما كان ترامب يستعد لمغادرة البيت الأبيض إلى لويزيانا لتدشين منشأة جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، سأله صحافيون عن التقارير الإخبارية التي تحدثت عن أنه ينوي إرسال 120 ألف جندي إضافي إلى منطقة الشرق الأوسط، فأجابهم بأن تلك ليست سوى «أخبار زائفة»، مضيفاً: «وإذا فعلنا ذلك، فسنرسل قوات أكثر من ذلك بكثير».
بحلول هذا الوقت، بحسب بولتون، بدأ الديموقراطيون يشعرون بالقلق من أن حجم وإيقاع تهديدات ترامب ضد إيران كان يتصاعد بشكل غير مقبول. ومما فاقم وتيرة القلق تبلور وعي شعبي عام في وقت لاحق من ذلك اليوم حول «المغادرة المنظمة» لأكثر من 100 موظف غير أساسي، السفارة الأميركية في بغداد.
في اليوم التالي، ترأس ترامب اجتماعاً لمجلس الأمن القومي ليعرض صورة أوضح عن تفكيره. وخلال الاجتماع، راح العضوان جوزيف دانفورد وباتريك شاناهان يحضّان الرئيس على النظر إلى ما هو أبعد من مجرد القرار الفوري التالي، والنظر بدلا من ذلك في الخطوات المستقبلية الأبعد.
وقال شاناهان إنهم (كأعضاء مجلس الأمن القومي) يريدون تقييم مقدار تحمله للمخاطرة، فأجابه ترامب: «لديّ قدرة لا تصدق على المخاطرة. المخاطرة جيدة»، ثم أعقب ذلك بمحاضرة عن آرائه إزاء العراق؛ ولماذا أراد الخروج من سورية؛... ولماذا (كما في حالة العراق) ينبغي أن نأخذ نفط فنزويلا بعد الإطاحة بنظام الرئيس نيكولاس مادورو؛ ولماذا يرى أن الصين هي «أكبر محتال في العالم»... وغير ذلك، وفق ما جاء في كتاب بولتون.
ترامب وأردوغان
يسرد بولتون في كتابه أنه في ديسمبر 2018 عرض ترامب على رجب طيب أردوغان أن يقدم إليه المساعدة في تفادي تحقيق كانت تجريه وزارة العدل الأميركية آنذاك حول بنك «Halkbank» الذي له علاقات مع الرئيس التركي، وهو البنك الذي يشتبه في أنه ينتهك العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
ويشرح الكتاب أنه عندما قدم الزعيم التركي إلى ترامب مذكرة من مكتب المحاماة الذي يمثل البنك التركي، فإن الرئيس الأميركي راح يتصفح أوراق تلك المذكرة سريعاً، ثم قال لنظيره التركي إنه يعتقد أن البنك بريء تماماً من انتهاك العقوبات.
ويتابع بولتون: «أخبر ترامب أردوغان بأنه سيهتم بالأمر، ثم قال له: المحققون والمدعون العامون في المنطقة القضائية الجنوبية (التي تنظر تلك الدعوى) ليسوا موالين لي، بل موالين لـ(الرئيس الأسبق باراك) أوباما، وسيتم حل هذه المشكلة عندما يتم تسريحهم من مناصبهم والاستعاضة عنهم ببدلاء موالين لي».
وتعليقا على ذلك، يكتب بولتون: «كان ذلك كله كلاماً هراء، فالمدّعون في وزارة العدل موظفون مهنيون متقيدون بقوانين محددة ويتعين عليهم أن يسلكوا المسار ذاته مع إزاء التحقيق بشأن Halkbank بغض النظر عمن يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة».
اختيار كوشنر
ويوضح بولتون أنه قبل انضمامه إلى الخدمة في البيت الأبيض تحت قيادة ترامب، كان أجرى نقاشاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أعرب له عن تشككه في دور وقدرة جاريد كوشنر (صهر ترامب) بعد تعيين الرئيس الأميركي له ليقود تطوير خطة سلام في الشرق الأوسط.
ويقول بولتون في كتابه: «كان نتنياهو غير مستسيغ وغير قادر على فهم أسباب إسناد مهمة إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى كوشنر الذي عرف نتنياهو عائلته لسنوات عديدة. كان نتنياهو سياسيا بما يكفي لعدم إبداء معارضة علنية لفكرة تعيين كوشنر، ولكنه مثل معظم العالم راح يتساءل لماذا كان يعتقد ترامب أن كوشنر سينجح حيث ديبلوماسيون وسياسيون من أمثال (هنري) كيسنجر».
«التناحر على الطعام»!
يصف بولتون اجتماعات البيت الأبيض الأسبوعية - والتي يرأسها ترامب لمناقشة القضايا في غرفة روزفلت أو في المكتب البيضاوي - بأنها بعيدة عن كونها مناقشات لصنع القرارات بعناية، بل هي تشبه إلى حد كبير«معارك التناحر على الطعام في مساكن الطلبة الجامعيين»، موضحاً أنه لم يشهد في تلك الاجتماعات الحد الأدنى من أي جهد أو مشاركة من جانب الوكالات والأجهزة الحكومية ذات الصلة من أجل حل القضايا وتحديد الخيارات.
ويكتب عن ذلك: «لو كنت أؤمن باليوغا فلربما كنت سأمارس بعض تمارينها بعد كل واحد من تلك الاجتماعات».
أجواء تلك الاجتماعات هي موضوع يعود بولتون إليه في كتابه أكثر من مرة، حيث يصف ترامب بأنه «رئيس زئبقي ليس لديه اهتمام كبير بتعلم كيفية عمل الحكومة الفيديرالية، وبدلاً من ذلك فإنه يركز أكثر على مناقشة التأثير الجماهيري الذي ستخلقه قراراته لدى تداولها عبر وسائل الإعلام».
العقوبات على روسيا
يؤكد بولتون أن ترامب «كان يعبر في مناقشاته غير العلنية عن تذمره وامتعاضه إزاء فكرة فرض عقوبات أو غيرها من الإجراءات ضد روسيا، حتى عندما كان يؤيد مثل تلك الاجراءات علانية».
ويوضح أنه بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن الدفعة الأولى من العقوبات على روسيا بسبب تسميمها للجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في المملكة المتحدة، فإن ترامب أراد إلغاء تلك العقوبات، مبرراً ذلك بأنه يرى أنها «شديدة القسوة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».
ويضيف بولتون: «أخبر ترامب بومبيو بالاتصال هاتفياً بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإبلاغه بأن بعض البيروقراطيين هم الذين استعجلوا بنشر نص تلك العقوبات - وهي المكالمة التي ربما تكون قد أجريت أو لم تحدث على الإطلاق».
ويكشف بولتون أيضاً عن أن ترامب أمر بإيقاف إصدار بيان من البيت الأبيض ينتقد روسيا في الذكرى العاشرة لغزوها جورجيا، موضحاً أن مثل هذه الخطوات من جانب ترامب تعكس أنه يواجه صعوبة في «الفصل بين العلاقات الشخصية والعلاقات الرسمية».
فنلندا جزء من روسيا!
ومن بين الأمور الكاشفة الطريفة التي يفصح عنها بولتون في كتابه، انه قبل اجتماع القمة الذي جمع ترامب مع بوتين في هلسنكي في يوليو 2018، سأل ترامب مستشاريه عما إذا كانت فنلندا جزءاً من روسيا، أو ما إذا كانت «نوعًا من الدول التابعة التي تدور في فلك روسيا».
ويتابع: «في طريقه إلى ذلك الاجتماع (مع بوتين)، توقف ترامب لرؤية رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك تيريزا ماي. وخلال ذلك الاجتماع، أشار مستشار الأمن القومي لرئيسة الوزراء خلال حديثه عن عملية تسميم سكريبال إلى أنها كانت اعتداء على دولة تمتلك قوة نووية. وعند ذلك سأله ترامب متعجباً: هل أنتم قوة نووية؟».
ويعقب بولتون على ذلك قائلاً إنه على يقين من أن ترامب لم يكن يقصد الممازحة بذلك السؤال، بل كان جاداً.
فنزويلا والغزو!
يكشف بولتون عن أنه في سياق نقاش دار في البيت الأبيض حول سبل الإطاحة بنظام مادورو في فنزويلا، أصر ترامب على مناقشة استعمال الخيارات العسكرية، وقال لمستشاريه إن فنزويلا «هي في الواقع جزء من الولايات المتحدة».
ويضيف: «خلال اجتماع انعقد في مارس 2019 في البنتاغون، راح ترامب يستجوب القادة العسكريين حول سبب وجود الجيش الأميركي في دول مثل أفغانستان والعراق، ولكنه غير موجود في فنزويلا».
ويرى بولتون أن إصرار ترامب المتكرر على دراسة الخيارات العسكرية للإطاحة بمادورو كان أمرا صادماً في نظر مساعديه ومستشاريه وأعضاء الكونغرس، على حد السواء.
وعن ذلك يكتب: «خلال اجتماع مع نواب فلوريدا الجمهوريين، ظل ترامب مصمماً على استعمال الخيار العسكري (ضد فنزويلا)، وهو الإصرار الذي جعل السناتور ريك سكوت وحاكم الولاية رون ديسانتيس (مذهولين)، بينما السناتور ماركو روبيو - الذي كان سمع ترامب يقول ذلك الكلام من قبل - عرف كيف يتجاهل الفكرة بأدب».
سجن مراسلي «سي ان ان»!
وفقاً للكتاب، فإنه عندما تسربت أنباء عن اجتماع قمة غير معلن عنه حول أفغانستان في منتجع بيدمينستر الذي يمتلكه ترامب، اشتكى ترامب من أن شبكة «سي ان ان» الإخبارية نشرت خبر مكان وسبب انعقاد تلك القمة قبل انعقادها.
ويتابع أن ترامب اتصل هاتفياً بمحامي البيت الأبيض بات سيبولون وكلفه بأن يتواصل مع المدعي العام بيل بار ليبلغه برغبته في «اعتقال مراسلي سي إن إن، وإجبارهم على قضاء الوقت في السجن، ثم مطالبتهم بالكشف عن مصادرهم».