هل تصبح علاقة بغداد بطهران «ندّية» ... بدلاً من «ولائية» عابرة للحدود؟

1 يناير 1970 02:49 ص

بدأت أمس الجولة الأولى من الحوار الإستراتيجي بين واشنطن وبغداد، عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة وعلى مستوى وكيلي ومساعدي وزيري خارجية البلدين، بمشاركة سفراء وخبراء. وفيما كان متوقعاً أن تكون النقطة الأكثر سخونة متعلقة بمستقبل وجود القوات الأميركية في العراق، بدا أن الأولوية للحوار ترتبط بتكريس سيادة حكومة العراق وقواتها المسلحة، ودمج ميليشيا «الحشد الشعبي» فعلياً ورسمياً في صفوف القوات المسلحة.
وظهر «الحشد» للمرة الأولى استجابة لفتوى المرجعية الشيعية العليا، بوجوب «الجهاد الكفائي» في وجه تنظيم «داعش» الإرهابي، وحاز شرعية قانونية بإصدار الحكومات المتعاقبة مراسيم جعلته تابعاً لرئيس الحكومة ومرتبطاً بوزارة الداخلية، التي تسدد مرتبات مقاتليه.
وساعد وجود الرئيس السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، وإصراره على التقارب مع ايران، في التقارب بين التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة للقضاء على «داعش»، والميليشيات المسلحة بقيادة أبو مهدي المهندس.
وبعد القضاء على «داعش»، سعت طهران إلى تحويل «الحشد» إلى تنظيم شبيه لـ«الحرس الثوري» و«حزب الله» اللبناني، أي إلى تنظيم عسكري وسياسي واجتماعي موالٍ للمرشد الأعلى علي خامنئي، من دون أن يكون تحت سلطة الحكومة المنتخبة.
لكن تكرار تجربة الحرس والحزب، في العراق تعثرت. ويبدو أن الحوار العراقي - الأميركي يتباحث في كيفية إنهائها لتعزيز سيادة الحكومة العراقية، ثم النقاش في تعزيز العلاقات الثنائية الندية والقوية.
ورصدت الدوائر المتابعة في العاصمة الأميركية مواقف عراقية متعددة، منها لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ومنها مرسوم اشتراعي صادر عنه مطلع يونيو الجاري، حول «الحشد». تبع ذلك مذكرة مبنية على المرسوم وصادرة عن رئيس «الحشد» فالح الفياض. وفي مواقف الرجلين ما يشي بإصلاحات وتغييرات قادمة لطبيعة ودور «الحشد».
الكاظمي قال في خطاب قسمه اليمين، أنه يصر على حصر السلاح بأيدي الدولة، وأنه عازم على استصدار قانون نيابي لتنظيم أوضاع الأحزاب يحظر فيه الولاء لأي جهات في الخارج.
وموضوع الولاء كان أدى لانشقاقات داخل «الحشد» مع انسحاب مجموعات «العتبات المقدسة». وترافق ذلك مع تصريح لحميد الياسري، المقرّب من المرجعية الدينية، قال فيه إن «من يوالي غير وطنه لا دين له»، وهو ما اعتبره كثيرون هجوماً مبطناً على مجموعات «الحشد» المسماة «الألوية الولائية»، التي تدين بالولاء لـ«الولي الفقيه».
مقتل المهندس وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في غارة أميركية في بغداد أوائل يناير الماضي، قضى على «العقل المدبر» لـ«الحشد»، وسحب المرجعية مباركتها أضعفته شعبياً، ووصول رئيس حكومة، ليس من تابعي إيران في العراق، قلل من نفوذه في الدولة.
كلها تطورات أجبرت «الحشد» على التراجع، فأصدر الفياض، مطلع الشهر الجاري، مذكرة حول تدابير جديدة، أبرز ما فيها تخلي الميليشيات عن أسمائها الأصلية، مثل «النجباء» و«كتائب حزب الله العراق» وغيرها، والتزامها بأرقام ألوية.
كما أشار الفياض إلى تنظيمات تطول الوضع الوظيفي للمقاتلين، وسلم مرتباتهم، ومستحقاتهم الاجتماعية والتقاعدية، وأمر باغلاق مكاتب الميليشيا داخل المدن، وعدم قيامها بأعمال اجتماعية غير المشاركة في مؤازرة القوات الأمنية في القتال.
وكانت ميليشيا «الحشد»، على غرار «حزب الله» اللبناني، أقامت مؤسسات اجتماعية تابعة لها، من مدارس ومستوصفات طبية، وهيئات تعبئة حزبية واجتماعية وعقائدية وإعلامية. وفي الآونة الأخيرة، دأبت على «تعفير» المناطق، أي تعقيمها من فيروس كورونا المستجد، وتوزيع إغاثة غذائية على المحاصرين بسبب الحجر الصحي، وكلها نشاطات من المتوقع أن تحظرها الحكومة وتنيطها بمؤسسات الدولة المتخصصة.
على أن الخبراء لفتوا إلى عدد من الأمور المتعلقة بـ«الحشد» التي لا تزال بحاجة الى ضبط. وكتب الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مايكل نايتس، بالاشتراك مع الباحث في لندن حمدي مالك، أنه يمكن لايران استخدام «انتشار قوات الحشد الشعبي في المدن لتخويف الحكومة عن طريق نشر وحدات تكتيكية في مواقع حساسة (على سبيل المثال، بجوار مكتب رئيس الحكومة، أو حتى داخل مجمع القصر الجمهوري، حيث تنعقد الاجتماعات الحكومية)».
المشكلة الثانية تكمن في غياب تحديد كيفية محاكمة مسؤولي ومقاتلي «الحشد»، ففي العراق محاكم عسكرية متخصصة بمحاكمة أي من منتسبي الأجهزة الأمنية الحكومية، إلا أن هذه الصفة لا تنطبق على مقاتلي «الحشد»، المدنيين من الناحية القانونية.
في لبنان، لدى «حزب الله» محاكمه الحزبية التي تعمل خارج المحاكم المدنية والعسكرية، وهو نموذج حاول سليماني تكراره في العراق بإقامة عدالة خاصة للميليشيا بعيداً عن القانون العراقي، ما أدى إلى تأسيس «قسم الأمن» في «الحشد»، وهو آلية تأديبية، يرأسها حاليا حسين فلاح اللامي، المعروف بلقب أبو زينب اللامي، وهو عضو في «كتائب حزب الله».
ويرى الخبيران أن غياب هذا الموضوع عن مذكرة الفياض يشي بأن «الحشد» عازم على «عدم الخضوع لأي سلطة قضائية أو أمنية خارج صفوفه»، وهي مشكلة ستتطلب معالجة من قبل الحكومة، في الوقت الذي تجدد فيه بغداد إطار علاقتها بالولايات المتحدة، وبجنودها المنتشرين على أراضيها، وبعلاقة هؤلاء بالحكومة العراقية، والحصانة الديبلوماسية التي يتمتعون بها.
الحوار الإستراتيجي معقد وطويل، وسيشمل جوانب متعددة، عسكرية واقتصادية وأمنية. ومن المرجح أن تجدد فيه واشنطن رهانها على بغداد كحليفة رئيسة في المنطقة، في وقت سيشدد العراقيون على أهمية تحييد العراق عن الصراع الأميركي - الإيراني، وهو مطلب تم تداوله في أروقة السياسة الأميركية، وتردد أنه يتمتع بموافقة من أعلى مراكز القرار.
أما إيران، فأمامها خيار تحويل علاقتها مع العراق إلى ندية والى صداقة جيدة وجوار بين بغداد وطهران، على مستوى الحكومتين، بدلا من العلاقة الحالية القائمة بين «الحرس» و «الحشد»، والولاء العراقي العابر للحدود تجاه خامنئي.