الثقب السياسي - المالي يتّسع و«كورونا»... يتمدّد

لبنان بين «قانون قيصر» و«الإنزال» الإيراني في فنزويلا

1 يناير 1970 04:11 م

مع انتهاء عطلة عيد الفطر السعيد، يعود لبنان إلى أجندته المزْدحمة برزمةِ عنوانين تطّل على أزماتٍ متداخلةٍ، في السياسة والمال والاقتصاد، أوّل الخيْط فيها داخلي وآخِرُه خارجي، في انعكاسٍ لارتباطِ البلاد بـ«صراع الفيلة» في المنطقة وعليها عبر «حبل السرّة» الذي يمثّله «حزب الله» كرأس حربة لمشروع التمدُّد الإيراني الذي تشتدّ المواجهةُ «وجهاً لوجه» على تخومه بين واشنطن وطهران التي تزيد «جرعةَ» لعبة «حافة الهاوية» مع إدارة الرئيس دونالد ترامب بنقْلها «مسْرح التحدي» إلى فنزويلا عبر ما يشبه «الصاروخ العابر للقارات» الذي شكّله إرسالها أسطول ناقلات نفط تحمل الوقود إلى نظام نيكولاس مادورو.
وفي حين تنشدّ الساحة الداخلية اليوم، إلى بدء سريان قرار توفير البنك المركزي دولارات بسعر 3200 ليرة لدعْم عمليات استيراد السلع الغذائية الأساسية (والمواد الأولية للصناعة الغذائية)، وذلك عشية جلسة تشريعية للبرلمان غداً على جدول أعمالها بنود بارزة بينها اقتراح قانون العفو واقتراح قانون الـ capital control وجلسةٍ محتملةٍ لمجلس الوزراء الجمعة (اذا اقتصرت الجلسة التشريعية على يوم واحد) تجري محاولاتٌ لطرْح موضوع التعيينات المالية فيها بحال تفكيك «ألغام» الخلاف على الحصص، فإنّ هذه الملفات على أهميّتها لم تحجب الأنظارَ عن العنوان المتعدّد البُعد المتمثل بالمفاوضات التي ستُستأنف بين لبنان وصندوق النقد الدولي وما زالت في مرحلة استكشاف الأزمة المالية والاقتصادية بأرقامها وجوانبها الأخرى قبل الغوْص في الخيارات الشائكة التي ستحدد إمكان التوصل إلى تفاهُم على برنامج تمويلي وفق شروط تقنية إصلاحية يسير بعضها «على أشواك سياسية».
وإذا كان الإقرارُ المرتقبُ لقانون وضْع ضوابط على التحويلات المالية في البرلمان وسعي الحكومة لإنجاز تعييناتٍ تَأَخَّرَتْ طويلاً لمنصب نواب حاكم مصرف لبنان (4) ولجنة الرقابة على المصارف ومفوّض الحكومة لدى البنك المركزي يأتي من ضمن محاولة لبنان الرسمي تحسين صورته أمام صندوق النقد التي اهتزّت بقوة على وقع الازدواجيّة الرقمية التي عبّر عنها تَأبُّط ممثلي الحكومة في المفاوضات رقماً للخسائر المالية بفوارق كبيرة عن التي حَمَلها ممثلو «المركزي» والمصارف، فإنّ أوساطاً واسعة الاطلاع بدأت ترسم علامات استفهام كبرى حيال الغيوم الداكنة التي تغلّف المسرح السياسي لهذا الملف المصيري ولا سيما في شقّه الدولي.
وبعدما كان «حزب الله» المشكّك في نجاح التفاوض مع الـIMF رسم خطاً أحمر حول أي تدويل لقضية الحدود مع سورية، تحت عنوان ضبْطِ المعابر وسدِّ أحد أكبر ثقوب التهريب والتهرب الجمركي والذي يشكّل حجر زاوية في الشروط «التأهيلية» للبنان للاستفادة من الدعم الدولي، وصولاً إلى طرْحه معادلة «إلى الشرق دُر» (سورية ومنها إلى العراق) في إطار ما يشبه «الخط ب» للتفلت من أي اتفاق مع صندوق النقد يمكن أن يقوّض ركائز اقتصاده الموازي وخطوط إمداده العسكري الموصولة بقوس النفوذ الإيراني، لاحظت الأوساط واسعة الاطلاع أن الوقت الفاصل عن انقشاع الرؤية حيال مآل المفاوضات مع الصندوق والذي ما زال يحتاج إلى أسابيع يُنْذر بأن يشهد تطورات تزيد من حجم التعقيدات السياسية التي تغلّف أصلاً الازمة المالية.
وأشارت الأوساط في هذا السياق إلى مسألتيْن متداخلتيْن:
* الأولى بدء العدّ العكسي لسريان «قانون قيصر» الأميركي (مطلع يونيو المقبل) الذي ينص على معاقبة النظام السوري مالياً ما دام يرتكب جرائم حرب ضد شعبه والذي يستهدف أيضاً أي فرد أو كيان في العالم يقدم الدعم للنظام، وسط تقارير لم تستبعد أن يَترافَقَ دخولُه حيز التنفيذ مع رزمة عقوبات جديدة تطول شخصيات لبنانية، وهو ما يجعل «الخيار المَشْرِقي» عبر البوابة السورية الذي روّج له أيضاً «التيار الوطني الحر» بمثابة فتْح «باب ريح ساخنة» على لبنان الرسمي برمّته قد يلتحق معه بحلقة العقوبات المقتصرة حتى الساعة على «حزب الله»، الأمر الذي يضيّق هامش المناورة أمام بيروت في سعيها إلى ممر إنقاذٍ باتت شروطه معروفة.
* والثاني اتخاذ الكباش بين واشنطن وطهران منحى جديداً مع قرار إيران خوض «منازلة نفطية» مع إدارة ترامب في حديقتها الخلفية فنزويلا، وسط «حبْس أنفاس» حيال ردّ فعل الولايات المتحدة على قفز البلدين المتموْضعيْن في خندق واحد فوق العقوبات الأميركية وإذا كانت إيران سـ«تفلت» بهذه النقْلة النوعية أم أنها أخطأت الحساب وأساءت تقدير الخيارات الممكنة للرئيس الأميركي رغم دخوله مرحلة «البطة العرجاء».
وفيما دعت هذه الاوساط لترقب هذا الفصل الجديد من المواجهة على خط واشنطن- طهران وتداعياته على لبنان في ضوء «العين الحمراء» الأميركية الدائمة على «حزب الله» الذي ربطتْه الولايات المتحدة تكراراً بنظام مادورو عبر اتهامه باستضافة خلايا من الحزب، لاحظت مفارقةَ أن حضور العنوان الفنزويلي لبنانياً من باب الصراع الكبير في المنطقة يكمل استحضار النموذج الفنزويلي في الأزمة المالية وبخلفياتها وسيناريوهاتها المحتملة، مشيرة في هذا الإطار إلى نقاط تَشابُه تبدأ بكيفية إدارة الأزمة تقنياً ولا تنتهي بالصراع الجيو - سياسي الذي دفعتْ كراكاس أثمانه مالياً واقتصادياً وقد يتجرّع لبنان أيضاً «كأسه المُرة» بحال بقي مكشوفاً على صراعات المنطقة.
وإذ رأت أن «الهبّة المفاجئة» على جبهة «النظام السياسي» اللبناني التي فجّرها خصوصاً المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بكلامه «الناسف» للصيغة اللبنانية واتفاق الطائف، تشي باضطراباتٍ سياسية - طائفية من شأنها أن تعمّق «الحفرة المالية» وقد تكون في إطار توجيه «رسائل إنذار» للخارج والسعي لإرساء «توازن ردع» مع محاولاتٍ دولية لاستدراج لبنان من البوابة المالية إلى شروطٍ لا يريدها «حزب الله»، لم تحجب هذه العناوين الصاخبة «الهمّ الكوروني» مع استعادة عدّاد الإصابات مسارَه التصاعدي بتسجيل 21 إصابة جديدة أمس (بينها 15 لمقيمين و6 لوافدين في عملية الإجلاء التي انتهتْ مرحلتها الثالثة الأحد) ما رفع العدد الإجمالي الى 1140 (بينها 689 حالة شفاء و26 وفاة).