أقسم الله - جل وعلا - بالليل والنهار والضحى والعصر والفجر... تذكيراً للناس بنعمة الزمن وتبياناً لقيمته العظيمة.
إن حجم استغلال الوقت، والاستفادة منه، من أهم العلامات الفارقة بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة، وبين الأشخاص الناجحين والأشخاص العاديين، ويمكن أن نقول:
- إنه ليس هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر، لايهتمون بأوقاتهم، وكيف يمكن للمرء أن ينجح إذا كان لا يستغل أهم مورد يمكن الاستفادة منه في تحقيق النجاح؟
الإحساس بالمسافات الزمانية والمكانية، أحد المنتجات الحضارية، لذا فإن أمة الإسلام في أيام إقبالها وازدهارها، ضربت أروع الأمثلة في المحافظة على الوقت والعناية به، وحسن الاستفادة منه. الوقت هو الشيء الأطول والأقصر في وقت واحد، والأسرع والأبطأ معاً، والذي نهمله جميعاً، ثم نأسف عليه، ولا شيء يمكن أن يتم بدونه، والذي يبتلع كل ما هوصغير، أو ينمي كل ما هو عظيم، والمشكلة العظمى أن الوقت لا يدار، فهو سلسلة من المقاييس التي تسجل بقاء دوران الأرض حول محورها، وتسجل فصولها المتعاقبة؛ فتقدمه ثابتاً، ولذا قالوا قديماً: «الوقت لا ينتظر أحداً».
أما الشيء الذي يمكن أن يدار فهو استغلالنا للوقت، في الحقيقة نحن ندير أنفسنا وطاقاتنا لا أوقاتنا.
إن الطريقة التي نقضي بها أوقاتنا، هي نتيجة للطريقة التي ننظر بها إلى أوقاتنا، والطريقة التي ننظر بها إلى أوقاتنا مرتبطة بأشياء عديدة، منها تربيتنا، ووعينا بالتحديات المعاصرة، وأهدافنا في هذه الحياة، وسيطرتنا على رغائبنا،وصلابة إراداتنا، ورؤيتنا للأولويات.
أما الآن ضع ورقة وقلماً يا من تشتكي من الفراغ خلال أزمة كورونا، وتتذمر طوال اليوم والليلة من كثرة الفراغ والخواء، ولاتعلم ماذا تفعل بيومك وليلك، ونحن في شهر عظيم فيه من العبادات والطاعات التي تشغل يومك وليلك إلى ما لا نهاية،واسأل نفسك وجاوب بنفس الورقة، كيف كانت تربيتك في الصغر؟ هل كانت أسرتك تحرص على الالتزام بالمواعيد؟وتشعرك بقيمة الوقت المهدور من غير فائدة؟ وبعد الغرس والتربية هل استوعبت وأدركت التحديات المعاصرة التي تجبرك على مسابقة الوقت وإلا ستكون في الدرك المتخلف المتقادم؟ هل كانت أهدافك لحياتك واضحة وقابلة للتطبيق؟ هل كنت تسيطر على رغباتك وشهواتك التي هي من جنود تضييع الوقت؟ هل كنت صلباً وذا إرادة عالية في استغلال كل وقتك؟ هل كان لديك رؤية للأولويات في حياتك؟. والآن بعد ما تجيب عن كل التساؤلات السابقة سوف تدرك أن الإنسان مساوٍ لأيام عمره، مثلما اعتبره الحسن البصري حين قال: «ياابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك».
ويقول الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز: «إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما».
أما ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:
- «ما ندمت على شيء مثل ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه من أجلي، ولم يزد فيه عملي».
تلاحق نفسك قبل أن تندم على يوم تغرب شمسك فيه، وينقص فيه من أَجَلك، ولم تزد فيه شيئاً من إنجازاتك.
M.alwohaib@gmail.com
@mona_alwohaib