غوتيريس يدعو الحكومة والجيش إلى نزع سلاح «حزب الله»
بدت بيروت أمس، عيناً على عودة التعبئة العامة في سياق عملية احتواء فيروس كورونا المستجد إلى المربّع الأول، مع دخول البلاد في رباعية إقفال تام حتى فجر الاثنين، وعيْناً أخرى على محاولات إيجاد «مفتاحِ» الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامجٍ تمويلي بـ10 مليارات دولار لإخراج لبنان من الحفرة المالية العميقة التي لا تخلو من وحول السياسة ورمالها المتحرّكة.
وفيما كانت المفاوضات الرسمية مع الـIMF تنطلق أمس عن بُعْد (بفعل أزمة «كورونا») على وقع ارتسام ملامح المساريْن المتوازييْن التقني والسياسي اللذين يحكمان هذا الملف الشائك، استنفر لبنان الرسمي والأمني قبيل سريان قرار الإقفال التام (مع بعض الاستثناءات لقطاعات حيوية صحية وغذائية وصناعية وزراعية) ابتداء من السابعة مساءً بهدف ضمان أعلى درجات الالتزام بهذا القرار الذي حتّمتْه موجة الإصابات المتجددة الصاعقة التي بلغت 109 حالات في أربعة أيام.
وجاء سريان مرحلة الإقفال الشامل على وهج تشكيكٍ في جدوى هذا القرار ارتكزَ على أن عملية المسْح التي يُراد إجراؤها لتحديد منسوب العدوى المجتمعية في ضوء إصابات الموجة الثانية (أطلق عنانَها بالدرجة الأولى مغتربون لم يلتزموا ضوابط الحجْر المنزلي الإلزامي) لن تكون مكتملة باعتبار أن فترة احتضان الفيروس هي 14 يوماً، ناهيك عن رفْض السلطات اللبنانية إرجاء المرحلة الثالثة من رحلات إجلاء المنتشرين التي تنطلق اليوم على أن تشمل في غضون عشرة أيام متتالية نقل نحو 12 ألف لبناني، ما يشكّل ثغرة كبيرة في ضوء مؤشريْن لا غبار عليهما: الأول وجود تزوير في نتائج فحوص PCR بعض العائدين ولا سيما من وجهات أفريقية لتَظْهَر سلبية، وهو ما اطلع عليه مجلس الوزراء في جلسته أول من أمس.
والثاني قيام بعض المغتربين بإعطاء معلومات كاذبة عن الأماكن التي سيحجرون أنفسهم فيها وتزويد السلطات بأرقام هواتف غير صحيحة، بقصد التفلت من الحجر المنزلي، وقد باشر القضاء ملاحقتهم بتهمة «التسبّب بنقل الوباء».
ورغم أن الإصابات يوم أمس سجّلت تراجعاً جديداً لترسو على 8 حالات (5 لمقيمين و3 من المغتربين) ارتفع معها العدد الإجمالي الى 878 (بينها 236 حالة شفاء و26 وفاة)، فإن هذا الرقم لم يتم التعاطي معه على أنه مؤشر ايجابي، بدليل أن محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر أعلن أن حالة واحدة في بلدة مجدلون «تبيّن أن عدد المخالطين لها بلغ 75 شخصاً» سيتم إخضاعُهم لفحوص.
وفيما كانت الأنظار شاخصة على «كورونا»، بدأت رحلة التفاوض الشاق مع صندوق النقد الدولي التي تزخر بالعديد من المطبّات ذات الطابع التقني والتي لا يغيب عنها بطبيعة الحال البُعد السياسي الذي أخذ يطلّ برأسه خصوصاً عبر ملف المرافئ والمعابر الشرعية وغير الشرعية التي تُعتبر مزراباً كبيراً للتهريب وتالياً التهرّب الجمركي والضريبي، ناهيك عن كونها «رئة» أساسية لـ«حزب الله»، سواء في دوره العابر للحدود كما في تجديد ترسانته العسكرية تسليحياً.
وفي ظلّ تصاعُد الأصوات داخلياً مطالِبةً السلطات الرسمية بضبط المعابر بعد «انفجار» قضية عمليات التهريب الواسعة لمواد أساسية مثل المازوت والقمح الى سورية، ولا سيما أن هذه مواد يستوردها لبنان بدولار مدعوم من المصرف المركزي أي بالسعر الرسمي ومن «بقايا» احتياطاته بالعملة الأجنبية التي تبخّرت من المصارف وباتت مفتوحة في السوق السوداء على أسعار خيالية ناهز معها سعر الصرف الدولار 4500 ليرة للدولار الواحد.
وفيما كانت مصادر مصرفية تردّ على محاولات تحميل القطاع المصرفي، في خطة الإصلاح التي تفاوض الحكومة على أساسها صندوق النقد، تبعات الخسائر المالية الهائلة بتأكيد «أن المبالغ التي استنزفها التهريب أو الاستيراد لصالح الأسواق السورية خلال السنوات الخمس الماضية فاقت 20 مليار دولار»، متسائلة في السياق نفسه (عبر وكالة الأنباء المركزية) «هل المصارف هي التي سمحت بدخول إيرانيين الى لبنان للعمل في الصيرفة كما أثبتت التوقيفات الأخيرة في الضاحية الجنوبية وغيرها؟»، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يحاول وضْع اليد على هذا الملف عبر ترؤسه اجتماعاً للمجلس الاعلى للدفاع أمس، بحث سبل وقف التهريب.
وبدت الاندفاعة الرسمية على هذه الجبهة في سياق محاولةٍ لـ«لبْننةِ» حلولٍ، ولو جزئية، بما يسجب فتيل «تدويلِ» هذا الملف الذي له مرتكزات في قرارات أممية مثل الـ1680 (ترسيم الحدود بين لبنان وسورية) والذي يثير شهيّة دولية باعتبار أنه «يصل» إلى قضية تسليح «حزب الله» التي كان لافتاً أنها عادت إلى الضوء عشية تدشين التفاوض الرسمي مع صندوق النقد بلسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي دعا الحكومة والجيش إلى «نزع سلاح حزب الله»، محذراً من مخاطر تدخل المجموعة شبه العسكرية في سورية، وذلك خلال مناقشة مغلقة في مجلس الأمن وفق ما أوردت قناة «الحرة».
وبحسب القناة، فقد تطرق غوتيريس إلى هذه المخاوف في تقرير عن النشاط في لبنان من 15 اكتوبر 2019 إلى 7 أبريل الماضي، والذي قدّمه قبل مناقشة الامتثال للقرار 1559 لعام 2004، والذي يدعو إلى نزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.
وترافَقَ موقف غوتيريس، الذي تناول ايضاً الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية واستخدامها لضرب أهداف في سورية وهذا «يثير القلق البالغ»، مع إعراب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت عن إحباطها من الدور المحدود الذي تلعبه قوات «يونيفيل» في جنوب لبنان، متهمة الحزب «بالتبجح بأسلحته علناً وتجاهل القرار 1701، وأنه يُمْلي على (يونيفيل) أين ومتى يمكنها القيام بدوريات».