... لبنان يرْتعد. هكذا يمكن وصْفُ المشهدِ في «بلاد الأرز» التي انقلبتْ الصورةُ فيها رأساً على عقب على جبهة «كورونا» التي استكانتْ لأيامٍ قبل أن تسجّل اندفاعةً في إصاباتِ الداخل التي تَجَدَّدَتْ بقوة على وقع تَفَلُّت في إجراءات الأمان وثغرٍ تُرافِق رحلات العودة للمنتشرين خصوصاً في متابعة مرحلة الحجر المنزلي الإلزامي وضوابطه.
وبدت بيروت وكأنها «شدّت الأحزمة» مع قرْع السلطات «ناقوس الخطر» حيال موجةٍ ثانية مباغتة من الإصابات لاحتْ مؤشّراتُها تَصاعُدياً بالأرقام التي استعادت وتيرتها التصاعدية المُخيفة لتُسجَّل أمس 36 حالة جديدة بينها 23 لمقيمين و13 لوافدين، ما رفع العدد الإجمالي إلى 845، وسط مخاوف متعاظمة من سقوط البلاد «في فم» الفيروس الغدّار وتالياً انهيار النظام الصحي فيما لبنان غارِقٌ في أزمةُ مالية غير مسبوقة بات يعيش معها على «التنفس الاصطناعي» في ظلّ رهانٍ على الخروج من غرفة العناية الفائقة على «حمّالة» اتفاقٍ على برنامج تمويلي مع صندوق النقد الدولي تبدأ المفاوضات حوله اليوم استناداً إلى خطة الإصلاح التي وضعتْها حكومة الرئيس حسان دياب.
وارتسمتْ في الساعات الماضية مَلامِحُ «سباقٍ» بين التحذيرات من مَخاطر «الاستسلام» لحال التراخي في تطبيق «بروتوكل الوقاية» في ظل تخفيف إجراءات التعبئة العامة وعدم انضباط عائدين من دول الانتشار تحت سقف شروط الحجر الإلزامي في البيوت، وبين مشاهد مُرْعِبة لتجمّعات في مناطق عدة منها زحلة أمام أحد مراكز تقديم المساعدات، ما استوجب إعلان ما يشبه «الاستنفار» الرسمي بهدف تفادي نسْف كل الجهود التي بُذلت على مدار شهرين ونصف الشهر وأتاحت وضْع لبنان بين الدول التي نجحت في السيطرة على «كوفيد - 19» وتالياً تعطيل صاعق «انفجارٍ كوروني» سيكون «قاتِلاً» في وضعية بلادٍ تقف على حافة موت مالي وبركان غضب شعبي في شارعٍ يغلي ويئنّ تحت وطأة تآكل الليرة أمام الدولار الذي «يفترس» قيمتها يوماً بعد آخَر.
وفي هذا الإطار ومع الإعلان أن كل الحالات بين المقيمين التي وُثّقتْ أمس هي لمُخالِطين (يُرجّح أن بينهم الـ13 عسكرياً في المحكمة العسكرية)، دقّ وزيرا الصحة والداخلية «النفير» وسط إشاراتٍ للمضي في التحضيرات للمرحلة الثالثة من إعادة المنتشرين التي تبدأ الخميس وتشمل نحو 12 ألف مغترب وإن مع إلغاء بعض الرحلات.
ولم يتوانَ وزير الصحة حمد حسن، الذي نُقل عنه أنه متخوّف جداً لأنّ درجة انضباط المواطنين صفر وحسّ المسؤولية معدوم والوضع «ضرب جنون»، عن التلويح بإقفال البلاد لـ48 ساعة، مبدياً ذهوله لأن «مغترباً يستقبل المهنئين في منزله بدل الحجر ويسبّب عدوى أسرته ومحيطه»، وكاشفاً أنه «في الساعات الـ48 الأخيرة، سُجّل عدم التزام مغتربين بالحجر المنزلي ومنهم نقلوا العدوى إلى عائلاتهم، احدهم إلى زوجته وآخَر الى ابنته وثالث إلى ابنه، وهذا غير مقبول».
وأضاف: «وفي الوقت كنا نسجل تفلتاً من المجتمع الداخلي من ضوابط التعبئة العامة التي ( كنا فكينا بعض قيودها)، ولكن كانت النتيجة ارتفاع أعداد المصابين داخلياً وهذا مؤشر سلبي ويعيدنا الى نقطة الصفر لنبدأ من جديد بالتتبع لكل الوافدين والحالات التي ظهرت داخل المجتمع اللبناني».
وتابع حسن: «قد نضطر بحسب نتائج الساعات الـ48 المقبلة الى اتخاذ تدبير قاسٍ من نوع إغلاق البلد لمدة 48 ساعة من دون إعلان حال طوارئ وننتظر جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء (...)».
أما وزير الداخلية محمد فهمي، فاستعاد منحى تشديد الإجراءات للوقاية من «كورونا» وقرر العودة إلى منْع الخروج والولوج إلى الشوارع والطرق بين السابعة مساء (عوض التاسعة) ولغاية الخامسة فجراً من صباح اليوم التالي، محذراً من أنه «في حال استمر بعض المواطنين بعدم الالتزام بالتعليمات المتعلقة بإجراءات الوقاية والسلامة العامة واعتماد الكمامات لتغطية الفم والأنف، سيصار الى إقفال تام لكل الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة والشركات والمحلات التجارية، باستثناء القطاع الطبي والصحي والأجهزة العسكرية فقط، ومنع المواطنين من الخروج والولوج نهائياً الى الشوارع تحت طائلة تطبيق القوانين المرعية الإجراء، ولا سيما المتعلقة بالأمراض الوبائية».
وفيما كان وزير التربية طارق المجذوب يؤكد أنه «إذا ساءت الأوضاع الصحية لا سمح الله، سنعدّل تفاصيل القرار» المتعلق باستئناف العام الدراسي أواخر الشهر الجاري (لبعض الصفوف)، كشف مدير عام شركة طيران الشرق الأوسط «الميدل إيست›› محمد الحوت أنه «في المرحلة الثانية من إعادة المغتربين تم نقل 5500 راكب في 40 رحلة وكان من المفترض أن تتضمن المرحلة الثالثة 100 رحلة ولكن تقرر إلغاء 17 منها»، كاشفاً لتلفزيون LBCI ان «عدد الوافدين خلال المرحلة الثالثة هو 11300 شخص أي ضعف عدد الأشخاص الذين قدموا خلال المرحلة الثانية».