تشهد الولايات المتحدة تغيراً جذرياً في مسار مكافحتها تفشي فيروس كورونا المستجد، من نموذج يستند على حظر صحي واقفال شبه كامل طال 42 ولاية والعاصمة واشنطن، لوقف انتشار الوباء، على غرار إيطاليا وبعض دول أوروبا، الى نموذج سيخففّ من اجراءات الحظر والاقفال ويحاول التعايش مع الوباء، مثل السويد، مع محاولة ابطاء انتشاره وحماية الفئات التي تعاني منه أكثر من غيرها، مثل الأكبر سناً واصحاب الحالات المرضية السابقة.
وأعلنت كل من ولايتي كاليفورنيا ونيويورك، وهما الأكبر سكانياً في البلاد، نيتهما البدء بتخفيف الحظر. وحدد حاكم نيويورك اندرو كومو، ومثله حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، شروط تخفيف الحظر، وقام كل منهما بتقسيم ولايته الى مقاطعات، وعندما تستوفي أي واحدة منها سبعة شروط، يمكنها تخفيف القيود، وهو ما يعني أن التخفيف لن يحصل على صعيد الولاية، كما كان الاقفال، بل على صعيد مقاطعات. اما هدف تقسيم الولايات فمدفوع بشعور الأميركيين عموماً بأن استمرار الاقفال يعرّض اقتصادهم ومصالح الأميركيين لخطر لا يمكن للحكومة الفيديرالية تجنّبه بزيادة انفاقها.
ومن شروط تخفيف الحظر، انخفاض في عدد «الاصابات الجديدة التي تحتاج الى مستشفيات» على مدى 14 يوماً متواصلة، أو انخفاض عدد هذه الحالات الى أقل من 15 يومياً، وكذلك الانخفاض في عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس على مدى 14 يوماً، او انخفاض في عدد الوفيات الى أقل من خمسة يومياً، وارتفاع عدد الأسرة الخالية في المستشفيات بنسبة ثلث المتوافرة، وخلو 30 في المئة من غرف العناية الفائقة في مستشفيات أي مقاطعة تستعد لتخفيف الحظر، واجراء 30 ألف فحص لكل مليون من السكان شهرياً، وتوظيف 300 عامل لكل مليون من السكان مهمتهم ملاحقة الأشخاص الذين تنتقل العدوى اليهم، ومنهم الى آخرين.
وكان بعض الولايات الجنوبية، مثل جورجيا وتكساس وفلوريدا، باشرت اجراءات التخفيف، فراحت أرقام الاصابات الجديدة فيها ترتفع. ومن المتوقع أن تعلن 31 ولاية تخفيف القيود مع حلول 11 مايو الجاري، ما يعني المزيد في الاصابات والوفيات الناجمة عنها، الأمر الذي دفع «معهد واشنطن لقياس وتقييم الصحة» في جامعة ولاية واشنطن، الى اعادة النظر في الرقم الذي كان يتوقعه لعدد الوفيات مع حلول الأول من أغسطس من 65 ألفاً الى 135 ألفاً.
وقارب عدد الوفيات الـ70 ألفاً، والاصابات مليون وربع المليون، وهي الأعلى في العالم.
وذكر المعهد في بيان، أن التوقعات الجديدة «تعكس تزايد التنقل السكاني في معظم الولايات»، كما تعكس «تخفيف إجراءات المباعدة الاجتماعية... ما يعني أن زيادة الاتصالات بين الناس ستعزز انتقال الفيروس التاجي».
على أن المعهد اعتبر أن «الزيادة في فحوصات الكشف وتتبع الاتصال، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة الموسمية، هي عوامل يمكنها أن تساعد في إبطاء الانتقال».
وقال مدير المعهد كريستوفر موراي، إنه «في كل ولاية، يعتمد انتشار الوباء على التوازن بين الاسترخاء الاجتماعي البطيء، وزيادة درجة الحرارة، وارتفاع معدلات الاختبار وتتبع الاتصال»، ونحن «نتوقع أن انتشار الوباء سيتوسع في العديد من الولايات خلال الصيف».
وفي وقت بدا أن الحجر الصحي أنهك الأميركيين اقتصادياً ونفسياً، بدأ الرأي العام يبتعد عن الدكتور انتوني فاوتشي، مصمم سياسة الحجر الصحي والذي يحذّر من امكانية انفجار انتشار الفيروس في موجة ثانية، وراح الأميركيون يبحثون عمن يقدم لهم خططاً فيها بعض التراخي واعادة العجلة الاقتصادية الى الدوران، وإن ببطء.
هكذا، برز سكوت غوتليب، الرئيس السابق للادارة الفيديرالية للدواء (أف دي آي) والباحث حالياً في مركز أبحاث «أميركان انتربرايز انستيتيوت». وعلى مدى أيام، أطلّ غوتليب عبر وسائل اعلام متعددة، وقدم مجموعة من الأفكار مفادها بأن سبعة أسابيع من الحجر الصحي القاسي لم تأت بالنتائج المطلوبة، بل نجح فقط في تثبيت عدد الاصابات بمعدل 30 ألفاً يومياً، وعدد الوفيات بمعدل ألفين.
ونشرت وسائل إعلام مذكرة داخلية تداولها المسؤولون في البيت الأبيض مفادها أن الادارة تتوقع ارتفاعاً في عدد المصابين بالفيروس من 25 ألفاً يومياً حالياً الى 200 ألف في اليوم مع حلول الأول من يونيو المقبل، فيما يرتفع المعدل اليومي للوفيات الى ثلاثة الاف يومياً.
ويعتقد غوتليب أن «الحجر عاد بنتائج منها تقليل عدد الاصابات والضغط على المستشفيات لتفادي استنفاد نظام الرعاية الصحية، وهو ما أدى الى إنقاذ أرواح كثيرة، لكن الحظر كان جسراً وليس حلاً، وفي حال مواصلته، لن ينجح في القضاء على الفيروس».
ويقول: «نحن بحاجة إلى إعادة الانفتاح بشكل مسؤول، مع خطط مدروسة للتركيز على الأنشطة والشركات التي ستساعد على استعادة أكبر شعور بالحياة الطبيعية والرفاهية الاقتصادية، وهو ما يعني اتباع نهج مرحلي للسماح بالتدخلات المستهدفة للحد من المخاطر، وقياس أثر إعادة فتح الاقتصاد».
ويعتقد غوتليب أنه «ما لم يكن هناك تأثير موسمي صيفي قوي يبطئ الانتشار أكثر من المتوقع، ستنمو الحالات، ونحن بحاجة إلى أن نكون مستعدين لعملية فحص واسع النطاق لإبطاء انتقال المرض بشكل فردي، وكمجتمع، ثم نبدأ عملية تحديد الوضع الطبيعي الجديد، حيث سيتعين علينا القيام بما اعتدنا على القيام به ولكن بشكل مختلف، مع مزيد من السلامة واليقظة».
كل هذه الاجراءات، يقول الخبير الأميركي، تبقى قائمة «حتى نصل إلى اللقاح».
واعاد غوتليب بث نتائج احد المراكز البحثية الأميركية، وعلّق عليها في تغريدة بالقول إن هناك «دليلاً على أن من سبق أن أصيبوا بالفيروس المستجد وشفيوا منه صاروا يتمتعون بحصانة صحية تمنع إعادة اصابتهم به مجدداً».
وسط الانعطافة في السياسة الأميركية لمكافحة كورونا، واصل الرئيس دونالد ترامب اعتكافه عن الاطلال في مؤتمر صحافي، بل كان لافتاً قلّة تغريداته، يوم الاثنين، على غير عادته، اذ اكتفى ببثّ «تغريدات انتخابية» سعى فيها الى اغداق المديح على ما يعتبرها انجازات ولايته الأولى، مثل «أكبر تخفيضات ضريبية، وإعادة بناء الجيش، وتعزيز وضع قدامى الجيش، وحماية التعديل الثاني (من الدستور والذي يكفل حرية اقتناء الأميركيين أسلحة فردية)... والعديد من الأشياء الأخرى التي قامت بها إدارتي».
وكتب أن «ما يحبه (الجمهوريون) أكثر من أي شيء آخر هو تعيين 252 حتى الآن من القضاة الاتحاديين، ومنهم قاضيان كبيران في المحكمة العليا، وهو رقم قياسي».