الخامسة لكم ... والأخيرة للأسرة؟
1 يناير 1970
09:27 ص
نبدأ بما انتهينا منه قبل يومين من اننا لا نكن لسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد سوى الحب والتقدير والدعم والمؤازرة والرغبة الصادقة الحقيقية في ان يتمكن من تنفيذ رؤاه الاصلاحية في اطار «هدنة طويلة المدى» تضمن وقف اطلاق النار بين السلطات وتعطي للمتضررين والخائفين املا متجددا في رؤية ضوء عند نهاية النفق.
وتحت سقف التقدير والدعم والمؤازرة، ومن موقعنا الاعلامي، حذرنا سمو الرئيس من عقد صفقات مع تيارات واحزاب سياسية على حساب الاقتصاد الوطني والمال العام، وقلنا ان هناك من سيبيع دعما سياسيا ليشتري دعما اقتصاديا، وان طريقة تشكيل الحكومة بالشكل الذي يحصل لن يحصنها بتاتا من عودة اطلاق النار السياسي عليها... بل ربما وسع دائرة المهاجمين.
ولم يكد حبر التحذير يجف حتى سمعنا رئيس التجمع السلفي النائب خالد السلطان يعلن، وعلى رؤوس الاشهاد وفي سابقة لم تشهدها الكويت، انه انهى مشاوراته مع عدد من الشخصيات لاستمزاج رأيها في دخول التشكيلة الحكومية الجديدة وانه ابلغ الى سمو الرئيس اعتذارها عن عدم القبول بالتوزير.
ومع الاحترام الكامل لسمو الرئيس واسلوبه ونهجه وطيبته وفطرته، ومع التقدير الكامل للنائب خالد السلطان والثقة الكبيرة في حرصه على الاستقرار السياسي كمدخل لتحريك المشاريع النائمة... الا اننا يجب ان نحسب منذ الآن الف حساب للقادم من الايام في الكويت مع الانهيار المستمر للنظام السياسي حجرا بعد حجر.
كنا نقول ان الصفقات والمحاصصة والتسويات تضعف الحكومة وتشل حركتها وتمنع النظام السياسي من التقدم. اليوم انتقلنا الى مرحلة اشد واخطر في الشكل والمضمون، فهل الرئيس المكلف تخلى طوعا عن صلاحياته وجيرها لرمز تيار سياسي وقف مع الحكومة في محنتها السابقة؟ وهل يدري سمو الرئيس الى اين سيؤدي هذا النهج اذا لم يسارع الى توضيحه اليوم او غدا؟ وهل صار استمزاج رأي الشخصيات في التوزير يمر عبر هذا التيار السياسي او ذاك؟ وهل الوفاء لموقف تضامني يؤدي الى تغيير طبيعة تشكيل الحكومات؟ واخيرا وليس آخرا هل من القوة في شيء ان تدار الامور بهذه الطريقة؟ ومن يضمن في المستقبل ان تقف «الشراكة» في القرار عند حدود معينة؟
الصمت مطلوب دائما في التكتيك السياسي، لكن استمراره صعب جدا في حالة كالتي نعيشها، والمطلوب توضيح من رئاسة الوزراء يكشف حدود التكليفات والتوكيلات التي اعطيت لهذا الطرف او ذاك للمشاركة في عملية رسم لها الدستور سقفا واضحا. مع العلم ان حالات مماثلة حصلت في التشكيلات السابقة وقيل الكثير همسا عن دور رئيسي لطرف سياسي في التشاور واستمزاج الآراء، لكن احدا لم يتخط حدود الهمس ليؤكد علنا ما اكده النائب الفاضل خالد السلطان ، كما اثبتت تجربة «تلزيم» طرف بعينه غالبية المشهد التشاوري والتوزيري (كما حصل مع كتلة العمل الوطني مثلا) فشلها.
يا سمو الرئيس، الدستور وقبله ميثاق التوافق على ادارة السلطة بين الكويتيين واسرة الصباح رسما خطوطا واضحة للعمل والتحرك. يمكن ان نفسر تعدد الحكومات في فترة قصيرة بمختلف تفسيرات الضعف والقوة لكنها تبقى في الاطار الدستوري والنظام الديموقراطي. يمكن ان نضع الاستجوابات المتكررة في خانات التأزيم والعرقلة او في خانات الاصلاح والرقابة لكنها تبقى في الاطار الدستوري والنظام الديموقراطي. ما لا يمكن ان نستوعبه هو كيفية الوصول الى مرحلة يجري فيها تيار سياسي معين نظرتم بعين الرضا الى ادائه واداء وزيره في الحكومة السابقة مشاورات توزير مع شخصيات من مختلف الاتجاهات والانتماءات بينما المنطق والدستور والعرف والتقاليد تقضي بأن تستمزج انت يا سمو الرئيس رأي هذا التيار فقط في قبول حقيبة او رفضها.
سمو الرئيس، اذا قبلتم بما يجري اليوم من دون توضيح، فهذا يعني ان من يتكهن بأن تكون حكومتكم الخامسة هي الاخيرة لكم يستند الى معطيات لا إلى توقعات... وهذا يعني ايضا ان من يدفع الاوضاع في اتجاهات معينة ويمهد الطريق الى «رئاسة شعبية» للحكومة قد يجد نفسه قريبا من تحقيق الهدف اذا استمر التراجع بالشكل الذي نراه.
جاسم بودي