خرجتْ إلى العلن تنظيماتٌ مجهولة في العراق، تهدّد بضرْب القوات الأميركية إذا رفضتْ الانسحاب الكلي من العراق. وكذلك ظهرتْ منظمة جديدة أعلنت عن عمليتها الأولى ضد رتل أميركي ينقل آليات من محافظة صلاح الدين الشمالية إلى محافظة كردستان حيث تتمركز أميركا في قاعدة عسكرية كبيرة.
وقد اجتمع السفير الأميركي ماثيو تويللر مع رئيس الوزراء المصرّف للأعمال عادل عبدالمهدي، ليعلن انه يريد أن تبدأ أميركا والعراق بمحادثات إستراتيجية، من دون أن يعلن أنه طلب من عبدالمهدي ألا تتعرض قوات بلاده للهجوم أثناء انسحابها الذي بدأته عبر إخلاء 6 قواعد ومراكز سيطرة في العراق. وهذا ما دفع «كتائب حزب الله العراق» للإعلان عن عدم نية التنظيم ضرب القوات الأميركية ما دامت تنسحب كلياً.
إلا أن من الواضح أن «المقاومة العراقية» لا تثق بأميركا وبوعودها وتعتبر أنها تناور لإعادة الانتشار، فبدأت بضربها بأسلوبٍ يعيد الى الذاكرة الأسلوب نفسه الذي اتبعته «تنظيمات جهادية» في لبنان للهدف نفسه.
خرج إلى العلن التنظيم الأول باسم «عصبة الثائرين» ليُظْهِر تقنيات متقدمة وصوراً لطائرة من دون طياّر تفصّل بدقة المباني والمراكز داخل السفارة الأميركية الضخمة في بغداد.
واللافت في الأمر، ليس فقط التفاصيل الدقيقة والتصوير العالي الجودة بل كيف استطاعت طائرة من دون طيار التحليق لدقائق طويلة فوق أكثر الأبنية حراسةً داخل العاصمة العراقية التي تنتشر فيها 3 ألوية من الجيش العراقي (الفرق 6 و 11 و 17) وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية ووزارة الداخلية والشرطة المحلية والقوات الأميركية في محيط السفارة وفي مطار بغداد غير البعيد.
ليس هذا فحسب بل أَظْهر التنظيم فيديو من طائرة بلا طيار فوق أكبر قاعدة أميركية في العراق، وقاعدة عين الأسد في صحراء الأنبار والتي تضمّ مخازن للأسلحة وأكثر الرادارات تطوراً وصواريخ «باتريوت» وأنظمة دفاعية أخرى.
وقد بُث فيديو لهذا التنظيم يدلّ على قيادة سيارة على أسوار القاعدة الأميركية في عين الأسد ما يدل على سهولة تنقل هؤلاء من دون مشكلة التعرّض الأمني لهم. وبَث التنظيم أغنية حماسية تشير إلى الهدف وهو الثأر لاغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وأيضاً بتقنية عالية تدلّ على أن مَن أنشدها من جنسية عربية غير عراقية.
وأصدر تنظيمٌ آخَر تحت اسم «المقاومة الإسلامية في العراق - أهل الكهف» بياناً يُظْهِر من خلال تسجيل فيديو عن بُعد قافلةً أميركية تتعرّض لعبوة ناسفة تنفجر بالقافلة، وأخرى بعد دقيقة حين تجمّع أفراد القافلة لتقويم الأضرار.
وتُظْهِر الصور القافلة عن قُرب وهي متجهة من كردستان - اربيل إلى محافظة صلاح الدين في منطقة العوينات. ويدلّ هذا الهجوم على رسالة مفادها بأن الجيش الأميركي لن يستطيع التجوّل في العراق لأن الأرض غير آمِنة وكذلك القواعد العسكرية.
وصدر بيان من تنظيم عراقي ثالث جديد تحت اسم «فصائل المقاومة الإسلامية - العراق - قبضة الهدى» يتّهم أميركا بالتهيؤ لشنّ هجوم ضد الفصائل، وتُمْهِل السفيرين الأميركي والبريطاني 48 ساعة للمغادرة وإلا سيُقتلان.
وفي رأي دوائر مراقبة مهتمّة بالشأن العراقي، أن من الطبيعي أن تَظْهر في العراق تنظيمات أكثر تشدُّداً لديها إمكانات عسكرية وإعلامية وتنظيمية استفادت من سنوات الحرب الطويلة في لبنان بين «حزب الله» وإسرائيل، وفي سورية ضد التكفيريين وفي العراق ضد الأميركيين وتنظيم «داعش».
وبحسب هذه الدوائر، ليس مفاجئاً أن تتهيّأ التنظيمات لقتال أميركا التي اغتالت قائد «محور المقاومة» سليماني والقائد الميداني في «الحشد الشعبي» المهندس، والتي تضرب قواعد للجيش العراقي وشرطته الاتحادية و«الحشد» ومطار كربلاء المدني.
وقد اقترح السفير الأميركي على عبدالمهدي اجتماعاً في يونيو المقبل، لتنظيم العلاقة والاتفاق على آلية الخروج من العراق، مذكراً بغداد بالوضع الاقتصادي الحرج الذي تمرّ فيه بلاد الرافدين. وطلب من عبدالمهدي أن يتدخل لوقف كل الهجمات ضد القوات الأميركية ويتوسّط مع إيران من أجل تحقيق ذلك، لأن أميركا جدية في المضي بالخروج من العراق.
وقد تجاوبت «كتائب حزب الله العراق» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء» و«كتائب الإمام علي» مع الطلب الإيراني، رغم عدم الثقة بتاتاً بالأميركي، وأعلنتْ أنها لن تهاجم القوات الأميركية ما دامت ستنسحب.
وهذا ما تَرافَقَ مع ظهور تنظيمات أخرى «تشجّع» أميركا على الخروج بسرعة لتُقْنِعها بضرورة عدم المراوغة، خصوصاً أن هذه التنظيمات غير معروفة، وبالتالي فمن السهل تَمَلُّص جميع التنظيمات من المسؤولية.
إلا أن أسلوب هذه التنظيمات يذكّر «بتنظيم الجهاد الإسلامي» الذي ظهر في الثمانينات من القرن الماضي وكان مسؤولاً عن خطف الرهائن في لبنان ولم يكن لـ«حزب الله» اللبناني علاقة به حينها.
وفي تقدير الدوائر نفسها، أن أميركا لم تتعلّم أسلوب إيران ولم تقرأ جيداً الرسائل. فعندما قال السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية أن «ثمن اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس خروجها من غرب آسيا»، فهذا يعني أن القرار قد اتُخذ بدفْع أميركا للخروج مهما كلّف الثمن.
وعندما قال السيد حسن نصرالله، زعيم «حزب الله» في لبنان وقائد «محور المقاومة» في لبنان وغزة وسورية والعراق واليمن، إن «كل جندي أميركي هو هدف لنا»، وتساءل «ماذا فعلتم وسفكتم هذه الدماء»؟ كانت رسالته واضحة: «حزب الله لن يقف متفرجاً وسيستهدف كل جندي أميركي يطاله في دول المحور».
وبدا واضحاً، وفق الدوائر عيْنها، أن إخراج أميركا من غرب آسيا هو الهدف. ولن تتغيّر الأساليب التي ستتبعها «المقاومة» عن أساليب اتُبعت ضدّ إسرائيل في لبنان وسورية والعراق في الماضي إلى حين مشاهدة آخر جندي أميركي خارج العراق.