رأي قلمي

ترفعُ القبعةُ لِـ «كورونا»...! ( 2 من 2)

1 يناير 1970 05:58 ص

لا تحسبه هيناً فهو عند الله عظيم... يا من أخذت بالأمر وفصلته على رغبتك وهواك وتباعدت اجتماعياً مع من تعتقد بأنهم أثقلوا عاتقك طوال العام والسنة والليل والنهار واليوم والأسبوع والشهر، وقرّبت من يراقبك عن بعد ويخزن أفعالك وسلوكياتك في ملف خاص بذهنه، وقد تكون قدوة له، وتدور الدوائر ويفعل غرار فعلك، حذو القذة بالقذة، بأسبابك ومبرراتك نفسها، ويقطع بك وبأرحامه من إخوة وأخوات، لا تبرر بأن هذه سنّة الحياة، فهذه الحجة مردود عليها مسبقاً، فوالله هذا هو الخزي في الحياة الدنيا.
رغم التعري الواضح للبعض إلا أننا نكتب ولسان حالنا يقول إدراكنا ورؤيتنا للحقائق يخضع دائما لشروط ومعطيات مختلفة، فهي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان بحسب زاوية النظر وحجم المعلومات والمفاهيم المتوافرة لدينا، كعذر نلتمسه لمن انكشف وتجرد في أزمة كورونا، ولهذا فإن فهمنا لكل ذلك هو فهم نسبي غير مطلق، ومن هذه الحقائق حقيقة شماعة الظروف الاجتماعية وشماعة طاعة ولي الأمر الذي علّق عليها بعض الناس تقاعسهم، وما كان ذلك إلا لإيجاد المبررات والأسباب لعجزهم عن تهذيب وتزكية أنفسهم أمام مسؤولياتهم.
ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن كل فرد يعيش بمجتمع، وهو أحد مكوناته، لا بد وأن يكون له حقوق وعليه واجبات، ومن هنا تبدأ الرؤية الحقيقية لحقيقة أليمة، ألا وهي الموازنة الفعلية ما بين النفس المتوانية المتقاعسة وبين تأدية المهام والواجبات أو تعليقها على الشماعات.
إن القرآن الكريم صنّف العباد إلى أصناف... فمنهم الظالم لنفسه، وآخر مقتصد عليها، وثالثهم سابق بالخيرات بها، فأي الأصناف ترغب أن تكون؟! برأيي من يجعل شماعة الظروف هي المخرج الوحيد للتهرب من واجباته ومسؤولياته تجاه نفسه وأهله ومجتمعه، ومن يعيش بفوضى داخلية وخارجية هو من يكون ذلك الصنف الظالم الجائر على نفسه، وحتى نرتقي بأنفسنا ونصبح من الصنف المقتصد أو السابق بالخيرات فعلينا أن نقف وقفة جادة مع أنفسنا بمراجعتها ومحاسبتها وحضها على الإيمان بالكتاب كله وتبني أحكامه ومبادئه وقناعاته وقيمه، وليس ببعضه، وحتى لا يناله الخزي والدناءة في الحياة الدنيا والخسارة بالآخرة.
الإرادة الصلبة والهمة العالية دائماً وأبداً عون لنا في التغلب على نفوسنا التي تبحث عن الاسترواح والانتقاء والتفصيل على حسب الرغبات والأهواء، وهنا لا يمكن أن ننهزم أمام ضعفها ووهنها، لأن إن استسلمنا وانقدنا لها وانهزمنا أكثر ما نستطيع انجازه التعليق على الشماعة كل ما لا يوافق شهواتنا ورغباتنا.
كورونا وباء يستحق أوفر وأجر الشكر والاحترام، وترفع له القبعة البيضاء رغم سواد فتكه بالإنسان، لأنه كشف لنا أخطاء وسقطات وقعت من أكبر مسؤول في الدولة إلى أصغر فرد بالمجتمع، أولها الخلل في التركيبة السكانية، وأوسطها تجار البلد بطمعهم وجشعهم، وثالثها التصور والفهم الخاطئ لأوامر ولي الأمر، وآخرها تدنٍ واضح ولا غبش عليه في الثقافة الاستهلاكية لدى الشعب وخصوصاً في المواد الغذائية، عندما يشتري حصته وحصة غيره من دون أدنى مسؤولية ولا إحساس، بالكويتي «همّه بطنه حتى لو جاع غيره». ليس العيب أن نخطئ ولكن العيب وكل العيب أن نستمر بالخطأ، ما زال في الوقت متسعاً لتصحيح وتصويب الأخطاء.