عَكَسَ التمديدُ الثاني لحال «التعبئة العامة» التي كان لبنان أعلنها في 15 مارس الماضي بمواجهة «كورونا»، استشعارَ بيروت بأن المحاصرةَ النسبيةَ للفيروس لا تعني الخروجَ من «منطقة الخطر» العالي التي تتقاطع مع سقوط البلاد في فم انهيارٍ مالي زادتْ ارتداداته الاقتصادية والمعيشية مع «الغزوة الكورونية» التي تَمْضي في تحويل الكوكب علبة رعبٍ متنقّل على وقع صناديق الموت التي لا تستريح.
وفيما كانت الإصاباتُ الجديدةُ بـ «كوفيد - 19» تستعيدُ وتيرتَها المنْخفضة مع تسجيل 7 حالاتٍ رسا معها الرقمُ الإجمالي على 582 (مع ثبات الوفيات على 19)، أخذت الحكومةُ بالتوصية التي رَفَعَها إليها المجلس الأعلى للدفاع بتمديد التعبئة العامة أسبوعيْن إضافييْن حتى 26 الجاري مع التشدّد في فرْض الحدّ من التنقّل نهاراً وفق آليةِ تحديدِ جدولٍ للسيارات وفق أرقام لوحاتها (يوم للمفرد ويوم للمزدوج مع منْعٍ كاملٍ لتنقُّلها الآحاد) وحظْر التجوّل الليلي (بين السابعة مساءً والخامسة فجراً).
وارتكز تمديد التعبئة العامة على خلاصات عبّر عنها رئيس الحكومة حسان دياب بكلامه في جلسة مجلس الوزراء عن «أننا لا نستطيع القول إننا احتوينا الفيروس في الداخل بشكل كامل، ونحن خائفون من أن يكون متحفّزاً للعودة بقوة»، وذلك بعدما كان وزير الصحة حمد حسن أعلن أمام «الأعلى للدفاع» الذي انعقد قبل التئام الحكومة «عدم إمكان التساهل بالوقت الحاضر أو التخفيف من وطأة الإجراءات، وخصوصاً أن لبنان ما زال في عين العاصفة».
وبدا واضحاً من إبقاء بيروت على أعْلى درجات الاستنفار بإزاء «كورونا» عدم ركونها إلى المنحى التراجُعي الذي تسجّله بعض الأيام على صعيد الإصابات، علماً أن انخفاض عدد الحالات أمس بـ 21 إصابة عن اليوم الذي سبقه جاء على خلفية مزدوجة: أولاً «الاستراحة» التي أخذتْها عملية إجلاء المغتربين (يتم تعليقها لـ 24 ساعة بين جولة وأخرى) بعدما كانت رحلات العودة (الثلاثاء) حَمَلَتْ 13 إصابةً لمواطنين من مدريد (7) وباريس (4) وإسطنبول (1) اضافة الى حالة كانت على متن رحلة خاصة قدمت من بريطانيا.
وثانياً عدم رصْد إصابات جديدة في منطقة بشري (الشمال) التي اتخذتْ أقصى درجات الترصّد والمتابعة وتوسيع دائرة المسْح الاستباقي لمحاصرة «كورونا» و«خنْقه».
وفيما كانت تصل إلى بيروت أمس رحلاتٌ من لندن والدوحة وفرانكفورت وغانا، على ان تُستكمل العملية غداً من روما ودبي والكويت ولواندا (عاصمة انغولا)، ليكون الاثنين موعدُ آخِر رحلات المرحلة الأولى للعائدين من لندن وباريس وجدة وليبرفيل، فإنّ التأنّي في وتيرة مسار الإجلاء تعَزَّزت مرتكزاتُه بعد حصيلة الإصابات من مدريد وباريس، وسط تَرقُّب للقرار الذي ستتخذه الحكومة في ضوء ما ستحمله رحلات أمس والغد والاثنين والذي لا يُسْقِط إمكان تعليق الإجلاء من وجهاتٍ معيّنة أو كل العملية وفق ما لمّح دياب بإعلانه «الاثنين ستكون الرحلة الأخيرة قبل تقييم الوضع للبناء على النتائج فإمّا الاستمرار بعمليات الإجلاء أو وقْفها».
ويخشى لبنان، الذي يتّجه إلى رفْع عدد الفحوص اليومية التي يُجْريها إلى ألف في محاولة لـ «تحسين الرؤية» في ما خص حقيقة تَفَشي الفيروس، من أن يُفْضي أي عبء كبير في حالاتٍ «مستوردة» ولو للبنانيين أو خطأ في متابعة المنتقلين إلى الحجْر المنزلي الإلزامي لوضْع النظام الصحي الذي يعاني أصلاً تداعيات الأزمة المالية غير المسبوقة التي تمرّ بها البلاد والتي باتت تضع مستشفيات على طريق الإقفال، أمام خطر انهيارٍ سيكون كارثياً، فيما هو حتى الساعة يستوعب موجات الإصابات تباعاً بما يعطي صورةً مريحة إلى حدّ ما تراهن السلطات الرسمية على استدامتها.
ولعلّ أكثر معبّر عن هذا الأمر كان التقرير الذي نشرتْه محطة «سي أن أن» أمس، عن مواطنين أميركيين فضّلوا البقاء في لبنان على العودة إلى وطنهم «فنحن أكثر أماناً» في بيروت «والوضع أسوأ في الولايات المتحدة من حيث عدد الاصابات والتدابير الوقائية المتخذة ونظام الصحة المثقل»، رافضين الاستجابة لرسائل تَلقّوها من السفارة الأميركية حول تأمين رحلات لإعادتهم.
ولم يحجب هذا الملف الاهتمام عن الواقع المالي في ضوء استمرار مساعي استيلاد خطة إنقاذٍ وإصلاح يفترص أن تشكّل رافعةً للحصول على تمويل خارجي لبنان بأمسّ الحاجة عليه ويراوح بين 10 و 15 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة للبقاء «على قيد الحياة» مالياً واقتصادياً، رغم الانطباع بأن دون هذه الخطة التي يُراد أن تعالج فجوة مالية تتجاوز 60 مليار دولار في القطاع المصرفي والتي باتت خطوطها العريضة معروفةً «أشواكٌ» سياسية كبيرة ولا سيما في ملاقاة قراراتٍ مثل تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار ولو تدريجاً وصولاً إلى نحو 3 آلاف ليرة بحلول 2024 وغيرها من الإجراءات الهيكلية، وسط حال هلعٍ تسود المودعين في ضوء الغموض المتصل بحجم «الهيركات» الذي بات بمثابة أمر واقع ويبقى كشْف الشكل الذي سيتخذه (bail - in أو ضريبة على الودائع أو تجميدها لسنوات أو غيره)، علماً أن دياب كرر أمس «أن 90 في المئة وما فوق من المودعين لن نمس بودائعهم في أي إجراءات مالية أما عن موعد حصول المودعين على أموالهم فاسألوا حاكم مصرف لبنان».