أزمةٌ مباغتة غدرت بالبشرية جمعاء، عطلت حياتها وقلبت كيانها بسبب فيروس غير مرئي، إلا أن نتائجه المتصاعدة التي نرصدها... مرعبة.
نعم، كل دولة اتخذت احتياطاتها المبكرة صار وضعها أفضل من غيرها، والكويت ولله الحمد والمنة من هذه الدول، ولكن هذه الدول لن تنجو كليةً من بلوغ الداء إليها، فالعالم قريةٌ صغيرة، ولم يعد العالم اليوم كالعالم في الأزمنة الغابرة.
هذا الداء الذي حوّل مسارات البشرية وغيّر طبائعها من ديموقراطية وحريات ودفعها إلى التوحش تاركة البحث عن «تحقيق الذات» في أعلى درجات الرقيّ الإنساني ومتجهة إلى أسفل هرم الاحتياجات الإنسانية! إلى قاعدة الهرم وحالة الإنسان البدائي الباحث عن المأكل والمشرب! هذا الداء لم تصل البشرية معه بعد إلى الذروة، وبالتالي ما زالت آثاره تتصاعد وتتمدد، ويبدو أنه لن يغادرنا إلا وقد ترك في نفوسنا ندوباً عميقة الأثر يصعب زوالها.
دافعي لكتابة هذا المقال كان اتصالاً تلقيته صباح أمس، كنت متجهاً إلى مقر عملي، فدفعني الفضول لتغيير اتجاهي إلى الشويخ الصناعية وشارع الجملة ومتاجر المواد الغذائية لكي ترصد عيناي ما سمعته أذناي في ذلك الاتصال! فإذا به حقيقة، بل الحقيقة أكثر بكثير، السيارات بالآلاف تدخل الشويخ من كل فجٍّ متاح، عيون حائرة تبحث بقلق عن تأمين الطعام بمختلف أنواعه وتخزين المياه رغم الجيوب المتعبة التي أنهكها الإنفاق المتصاعد في ظل توقف الأعمال بمختلف أنواعها تقريباً، اللهم إلا الوظائف الحكومية، فانقطع الرزق عن الكثيرين وظلوا يستنزفون مدخراتهم لتأمين الحاجيات الأساسية للإنسان، حالهم حال حتى سكان العالم الأول من المعمورة، بل نحن أكثر منهم رقياً وثباتاً.
ولكن، آجلاً أو عاجلاً، ستنفد مدخرات الكثيرين، وإذا نفدت المدخرات قرصهم الجوع وقضّت مضاجعهم الحاجة، وسيتواصل الاستنزاف وبمواجهة التراجع في الاستيراد الذي يواجهه العالم أجمع اليوم سيزداد الوضع سوءاً.
البعض يقولون، وأنا منهم، افتحوا الباب لرحيل الوافدين الآسيويين والعرب ممن تقطعت بهم السبل هذه الأيام، ولكن خذوها واضحة لا مواربة فيها ولا تلطيف... دولهم لا تريدهم هذه الأيام... فإذا عادوا ستفقد بلادهم الكثير من العملة الصعبة وستزداد طوابير العاطلين عن العمل لديها، وكذلك سيزداد الضغط على الخدمات وأهمها الخدمات الصحية التي تئن وجعاً وتعباً في كل دول المعمورة.
بالمقابل، العمالة المسرحة اليوم بلا عمل ولا مداخيل تملأ الشوارع، ما بين العمالة الهامشية التي تقتات على العمل بـ«اليومية» وقد توقفت أعمالها، أو تلك العمالة في الشركات والمطاعم والمقاهي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وقد توقفت تقريباً أعمالها أيضاً، وصار معظمهم بلا دخل أو عمل... ولا نستبعد أن تضطر كذلك الشركات الكبرى إلى تسريح عمالتها هذه الأيام مع توقف أعمالها... عندها، لنتخيل ماذا سيحدث؟... إنه سيناريو الرعب... الآلاف يواجهون الجوع... والبطالة... وفوق هذا كله انقطاع سبل العودة إلى الأوطان!
لسنا متشائمين بطبعنا، ولكن من حقنا استشراف المستقبل، وإذا حدث ما نراه قادماً، فالله وحده يعلم مآلات الأمور التي نتمناها خيراً.
ما المطلوب اليوم إذاً؟... أعتقد أن المطلوب فتح حوار فوري مع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء وإقناعهم بتسهيل إجراءات استعادة أبنائهم موقتاً، مع وعود بحفظ أولوياتهم في العودة إذا استقرت الأمور، ولا مانع من تحمل الكويت كلفة سفرهم، بل وإعطاء كل عامل مبلغاً من المال يعينه في أيامه الأولى في بلده، فالمهم أن يخف الضغط عن داخل الكويت هذه الأيام، ويزول هاجس الجوع الذي يحرك الإنسان ويعيده إلى غريزته المتوحشة... ولنعلم جميعاً أنهم إذا جاعوا وهم لدينا (...)، أتوقف هنا عن خوض السيناريو المخيف!
وليحفظ الله الكويت وشعبها والمقيمين فيها من كل مكروه.