تشكّل جلساتُ الثقةِ بحكومة الرئيس حسان دياب التي تَمْثُلُ ابتداءً من اليوم أمام البرلمان اختباراً مزودجاً، للائتلاف الحاكم الذي يشكّل «حزب الله» رافعتَه الأساسية ووُلدت «تشكيلة اللون الواحد» في كنفه، ولـ «ثورة 17 أكتوبر» التي تَمْضي في مسارٍ تغييري توفّر له الأزمةُ المالية - الاقتصادية قوةَ دفْع متدحْرج.
وتقف الثورة اليوم أمام امتحانِ مدى القدرة على حشْد أبنائها الذين هبّوا إلى الساحات قبل 118 يوماً تفاوتتْ خلالها موجاتُ الاعتراض ومَداها، بعدما شهدت الساعات الماضية عمليةَ تعبئة على الأرض وعبر وسائل التواصل الاجتماعي في محاولةٍ لتقديم مشهديةٍ توجّه رسالةً قوية بأن الانتفاضة الشعبية ما زالت على تَوَهُّجها، وذلك بمعزلٍ عما إذا كانت ستنجح في تعطيل انعقاد جلسات الثقة أم لا.
وفي المقابل، ستكون السلطةُ الحاكمة والزخمُ المطلوب لانطلاقتها المثْقلةِ بالأزمات والاستحقاقات «المصيرية» على محكّ الخروج من البرلمان بثقةٍ لا تقلّ عن التي كُلِّف بها دياب تأليف الحكومة (69 نائباً من 128)، وذلك في محاولةٍ لـ «تثبيت أقدامها» على أرضٍ تهتزّ شعبياً وسياسياً من تحتها.
وإذا كان عدم نيْل الحكومة الثقة شبه مستحيل، أولاً لأن نصاب الجلسة (65 نائباً) سيتأمّن حُكْماً، وثانياً لأن القوى المعارِضة للحكومة (تيار الرئيس سعد الحريري وحزبا القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي ومستقلّون) والتي ستحجب الثقة لن يكون عدد نوابها أكثر من مانحي الثقة (تحتاج الثقة إلى النصف زائد واحد من عدد الحاضرين)، فإن أي خروجٍ للحكومة الوليدة بأقلّ من 65 نائباً سيكون بمثابة «ضربة معنوية» لعرّابيها المُمْسكين بالغالبية البرلمانية في الوقت الذي تواجهُ تشكيلة «نصف لبنان» عصْفَ الشارع وإشهار الأطراف التي لم تلتحق بها معارَضتها رسمياً ابتداءً من اليوم.
وفيما ستبقى تداعياتُ معارَضةِ القوى المناوئة للحكومة تحت سقف البرلمان، ومهما بلغتْ حدّتُها، محصورةً بالمستوى السياسي، فإنّ الاعتراض المنتظَر في الشارع فَرَضَ ما يشبه «حبْسَ الأنفاس» أمس في ظلّ الاستعدادات المتبادلة لـ «يوم مشهود»، رَسَمَ الائتلافُ الحاكم «خطاً أحمر» أمام أي تراخٍ أمني خلاله يسمح للثوار بتكرار سيناريو نوفمبر حين حالتْ التحركات الاحتجاجية دون عقد جلسة تشريعية للبرلمان، ولو اضطرّ الأمر للجوء إلى القوة بحال لم تكن الإجراءات التي جرى بموجبها تدعيم الطوق الأمني الذي عزَل مقر البرلمان كافيةً لوصولٍ «مضمون» للنواب.
وإذ عَكَس كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس، عن أن «وصول النواب الى ساحة النجمة الثلاثاء والأربعاء مؤمّن بقرارٍ من المجلس الأعلى للدفاع الذي التأم الاسبوع الماضي» تَوَجُّهَ السلطة الحازم لفرْض عقْد الجلسات «مهما كلّف الأمر»، فإن تحضيراتِ المتظاهرين أعطتْ بدورها مؤشراً إلى تصميمٍ على محاولة منْع افتتاح الجلسات عبر تحركاتٍ انطلقتْ ليل أمس وأحيطت «تتماتُها» ابتداءً من السادسة من صباح اليوم بتكتم كبير، وسط تسريباتٍ عن أنها ستشمل قطْعَ طرقٍ في عدد كبير من النقاط وضمن شعاعٍ يستبق «زنار الحماية» الذي فرضتْه القوى الأمنية، و«تَرصُّدَ» نواب في منازلهم للحؤول دون بلوغهم البرلمان، وصولاً لـ «خطط» لمحاصرة مَن يصلون داخل مقرّ المجلس، مع تهيّؤ لملاقاة أي «مسارٍ حازم» قد تعتمده السلطة وذلك على قاعدة «لا تَراجُع مهما كان الثمن».
وفي حين لفتَ أن إشاراتٍ صدرتْ من مجموعاتٍ أخذتْ على القوى السياسية المُعارِضة للحكومة مُشارَكَتَها في جلساتِ الثقة رغم القرار بحجْبها وهو ما عزتْه غالبية هذه القوى إلى أن الحضور سيفرض رفْعَ عدد الأصوات التي تحتاج إليها الحكومة ليكتمل نصابَها الدستوري كما أنه يأتي حرصاً على العمل المؤسساتي وتسجيل اعتراضٍ «بالنظام» يلاقي صرخات المُنْتفضين ويكمّله، برز كلامٌ للرئيس سعد الحريري على هامش اجتماع كتلته البرلمانية التي أكدتْ حضور جلسة اليوم وعدم منْح الثقة، وأطلق فيه رسائل «دشّنت» مسار معارضةٍ «بنّاءة»، كما عكستْ السقف العالي الذي سيطبع كلمته في الذكرى 15 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري يوم الجمعة، والذي سيكرّس «دفْن» التسوية مع رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» والتي ساهمت في وصول الأول إلى الرئاسة.
فالحريري الذي أكد أنّه لم يقرّر بعد المشاركة شخصياً في جلسات الثقة، أوضح أنه اختار نقْل ذكرى 14 فبراير الى بيت الوسط «لأن في ناس عم تلعب بالشارع» وكرسالةٍ لمَن يحاول أن يغلق «بيت الوسط» بأن «البيت سيبقى مفتوحاً للجميع وهؤلاء هم الذين حاولوا إغلاقه عند استشهاد الرئيس رفيق الحريري». وتابع غامزاً من قناة فريق عون: «في ناس بتعطي One Way Ticket بس هي مش قدّها»، متوجّهاً لكلّ مَن ينتقد الحريرية السياسية وتحديداً «التيار الحر» بالقول: «اعطوني إنجازاً واحداً في 30 سنة قام به الوطني الحر للاقتصاد الوطني».
وأوضح: «توجُّهنا غداً (اليوم) إلى لا ثقة، ولكن المشاركة ليست فقط لنُظْهِر وجوهنا الحسنة ولكن لنقول كلمتنا، وسنقوم بمعارضة بنّاءة ولاحقاً نقرّر مع مَن وكيف وما رح يكون عندي شغلة ولا عملة إلا تيار المستقبل وتنظيمه وتحسينه».