كلمات ناطقة

ما بعد استقالة الوزيرة

1 يناير 1970 08:18 ص

بعد أقصر فترة لوزيرة في منصبها، وبمدة لم تتجاوز 45 يوماً، اقتصت وزيرة الشؤون الاجتماعية الدكتورة غدير أسيري الحق من نفسها وتداركت وضعها، قبل جلسة طرح الثقة التي كانت مقررة الثلاثاء، وتقدمت باستقالتها، لتضع حداً لأجواء سياسية اتسمت بالشحن والتوتر، نظراً لما تلى جلسة الاستجواب، وما صدر عن الوزيرة من قرارات وزارية أثارت جدلاً ووضعت في إطار شرائها الأصوات في معركة كسب الثقة، ولكن «حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر»، فكانت ردود الفعل الرافضة لتلك القرارات أكبر من المتقبلين، وفي حسبة لها وجدت وضعها صعباً، فآثرت السلامة والخروج من المشهد على الدخول في مغامرة غير مضمونة أثناء جلسة الثقة، ومع ذلك لم تنسحب بهدوء بل جاء كتاب استقالتها محمّلاً بالقنابل السياسية.
فقد بعثت فيه رسائل سياسية لا تخفى على أحد، عندما عزت تقديمها الاستقالة إلى ما أسمته «الانحراف البرلماني الذي تمثل في إساءة استعمال السلطة على أثر الاستجواب»، ثم أشارت في موضع آخر من الكتاب إلى «تكالب النواب في إبداء رغبتهم في طرح الثقة»، وأن استقالتها جاءت «رغبة في تجنب أي صدام أو الدخول في حالة من عدم التعاون بين السلطتين، أو الدخول في أتون الصراعات السياسية»، أضف إلى ذلك ما صرحت به بعد الاستقالة عما أسمته بـ«تيارات القوى الظلامية»، ولعل كل عبارة من تلك العبارات تحمل لغماً يهدد في حال انفجاره العلاقة بين السلطتين، فقد أصدرت الوزيرة حكمها على النواب ووضعتهم في خانة «التيارات الظلامية»، وهو حكم بلا شك غير صائب ويفتقد للحصافة السياسية، من وزيرة لديها طموحات سياسية، كان الأجدر بها أن تكون أكثر تعقّلاً في تبرير استقالتها، ولا سيما أنها صرحت في أكثر من مناسبة أنها لن تستقيل ومستمرة في منصبها، واثقة من موقفها ودعم النواب لها، ولكن عباراتها في كتاب الاستقالة قطعت حبال التواصل سواء مع النواب أو مع الحكومة، وأمام ما جاء فيه فلن يكون لها أمل في العودة إلى منصب وزاري مستقبلاً، مع أن بعض المراقبين يؤكدون أنها في تصرفها كانت تغازل قواعدها الانتخابية في الدائرة الأولى تمهيدا للترشح لانتخابات مجلس الأمة المقبلة، حيث سبق لها أن خاضت تجربة غير ناجحة، ولكنها تعوّل الآن على ما تقول إنها «حرب» شنت عليها في مجلس الأمة لتكون جواز سفرها للعودة إليه نائبة.
حكومياً، تبدو استقالة الوزيرة السريعة من حكومة جديدة برئيس جديد، مؤشراً سلبياً، ولا سيما أن ما رافق تكليف الشيخ صباح الخالد من زخم إعلامي، كان مؤشراً على مرحلة جديدة من العمل الحكومي عنوانها الإصلاح ومحاربة الفساد، ليشكل خروج الوزيرة، وما رافقه من قرارات أصدرتها في الوزارة قبيل خروجها وصفت بالتنفيعية، ضربة لهذا التوجه من جهة، وفاتحاً لشهية نيابية في تقديم الاستجوابات من جهة ثانية، في ظل تهديد أكثر من نائب لأكثر من وزير، وهو ما يعني تصعيداً سياسياً وتوتراً جديداً، يضاف إلى ذلك أن الحكومة، ومن خلال بيانات مجلس الوزراء لم تتطرق إلى دعم موقف الوزيرة، كما كانت تفعل الحكومة السابقة التي تؤكد دعم الوزيرة وسلامة موقفها، بينما بيانات مجلس الوزراء الحالية لم تتطرق للأمر، وهو ما يؤشر إلى ضعف الموقف الحكومي في التعامل مع الحدث وإدارته سياسياً وإعلامياً عندما تركت الوزيرة تتصدى وحدها للتصعيد النيابي ضدها. وبالتالي نحن أمام مرحلة جديدة يصعب إيجاد تفسير لها.

h.alasidan@hotmail.com
@DAlasidan
Dr.alasidan@hotmail.com