«التراث الثقافي العربي»... عنوان المحاضرة التي أقيمت في مكتبة الكويت الوطنية، ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي في نسخته الـ26، وحاضر فيها من المملكة المغربية الباحث علي الزيان ومن الجزائر الدكتور اليامين بن تومي، وأدارها الدكتور محمد البغيلي. وحضرها الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة الدكتور عيسى الأنصاري ونخبة من المثقفين والجمهور.
وأبدى بن تومي في استهلال المحاضرة سعادته بحضوره إلى الكويت، وهو الحضور الذي أخرجه من المحلية إلى الهوية العربية، ذاكراً مجلة العربي الكويتية ودورها الثقافي الذي ألفه منذ الصغر، حينما كان يتصفح أوراق هذه المجلة المهمة، ومن ثم أكد بن تومي أن توسيع دائرة الأمة هو توسيع الهويات الصغيرة لإنشاء الهويات الكبيرة ثم طرح سؤاله: ما معنى أن نكتب تاريخا عربياً.
وعن فكرة التاريخ قال: «هل فكرنا في كلمة تاريخ وهل علينا أن نبدأ من هذا المقصد وما حدث فيه، ألم يختلط هذا الحدث هناك في الماضي أي يصبح عماء هنا؟ ألا يمكن أن نقول إن (الهناك) هو المستقبل كذلك، فهل نحن نقصد الماضي أم التاريخ؟ فالتاريخ معناه العودة إلى الحدث الماضي واسع الزمن، وقد قيل إن التاريخ مأخوذ منه كأنه شيء حدث كما يحدث الولد، إذاً التاريخ ليس الزمن كما أفاد الفيلسوف بول ريكور في ثلاثيته الشهيرة، وأوضح أن التاريخ لا يتعلق بالساعات والشهور والسنوات ولكنه يتعلق بالإنجازات الكبيرة، وأنه يقع في عمق لعبة نقل الأحداث أو ما يسمى بالحدث التاريخي».
ثم قسم التاريخ إلى عام وجزئي... وأن العام يكون في الهوية الجمعية المتعالية على الهويات الضيقة والتي قد تهملها في مسيرتها، مطالباً بالتخلص من الأسطورة التي تغذى عليها العقل العربي، بمعنى عقلنة التاريخ لكتابة تاريخ عقلاني، وقال:«العروبة مسألة وجدانية وليست عقلانية»، محاولاً وضع إمكانية للتفكير فيما نسميه تاريخاً أرضياً يتسم بعقلانية الإنسان ولا يتغول داخل السرديات، مطالباً ببناء التاريخ داخل الحدث، وتابع بقوله:«لا أتبنى مشروع المقاطعة للقديم، ولكن يجب أن نعيد ترتيبنا للحدث الماضوي... فالزمن ننظر إليه على أنه وقت، والتاريخ لا يقاس بالوقت ولكنه يقاس بالإنجازات والأفعال الكبيرة».
وقال: «لنتخلص من مفهوم الأممية إلى مفهوم الإنجاز، والدخول إلى فعل إنجاز الدولة وبناء المواطن الحقيقي الذي مؤداه العقل الاجتماعي».
وأوضح ان مشكلة الجزائر في كيفية الخروج من المخيلة الأسطورية لتدخل إلى بناء وعي يؤسس إلى بناء ثقافي، لأن العقد الاجتماعي هو أن يتخلص الإنسان من فكرة الرعية إلى المواطنة، ثم تطرق إلى بناء العقلية القانونية لتكون مسؤولية الإنسان أمام القانون وليس أمام الرواية السردية، وتخليص العقل من الحكايات الماضوية وقال: «المواطنة والعقد القانوني هما البداية التأسيسية لبناء الدولة»، مؤكداً أن مسألة الزمن مرتبطة بوعد الدولة، مستشهداً بأفكار الباحث محمد أركون حول الوعي الكلي أو التاريخ الكوني وغياب الهوامش والأشياء الضعيفة داخل الوعي الوطني.
وختم بقوله: «أمام العرب التخلص من الوعي الزائف عن التاريخ السلطوي الذي أنتج مفهوم الرعية».
بينما تحدث الزيان عن التراث الإنساني الذي تمتلكه كل أمة والذي يعبر عن أي تجمع بشري، من خلال موروث الأجداد، مؤكداً أن التراث مصطلح فضفاض لا يمكن حصره في زمان ومكان معينين بل هو سيرورة ونتاج مختلف التعبيرات الإنسانية الممكنة لأمة وشعب ما.
وقال: «لذا نجد التراث المعماري والتراث البيئي والتراث الديبلوماسي والتراث الأركيولوجي والتراث الثقافي والفني والرياضي، وبصفة عامة التراث المادي واللامادي... وأمام عظمة هذا الزخم والإرث الإنساني الكبير المرتبط بالهوية والكينونة الأثنية ارتأت مختلف الشعوب والدول تصنيف وتثمين وتحصين تراثها المادي واللامادي، ومحاولة تسويقه دولياً وتثمينه محلياً وإقليمياً عبر برامج المنظمات الثقافية الدولية والإقليمية، وكذلك المحلية».
وأضاف: «التراث المغربي العربي مثلاً الذي يجمع روافد الإنسانية، يعتبر نموذجاً مثالياً في التعامل مع الموروث الثقافي بنظرة استشرافية لمستقبل واعد للأمة المغربية».
والزيان- كذلك - أشار إلى الكويت صانعة الثقافة عبر مجلة العربي التي يراها تراثاً عالمياً، ثم عرض على الحضور عدداً من المجلة يعود إلى العام 1968، وفيه استطلاع رائد عن مدينة مكناس المغربية، ومن ثم تحدث الزيان عن التراث المغربي حسب التوصيف الدولي والتثمين المحلي، كما تطرق إلى التراث المغربي المادي مثل المباني والمواقع والأسوار وكل ما هو تاريخي، واللامادي مثل الحرف وخلافه، وكشف عن الدعم الرسمي الكبير الذي يتلقاه التراث المغربي، متطرقاً إلى المراحل الحضارية التي مر بها المغرب منذ العصر الحجري مروراً بالروماني والإسلامي حتى الآن، وبيّن أن المجتمع المغربي منذ القدم وهو يتمتع بالتسامح والتنوع.
وقال: «أهمية التراث تكمن في أنه وعاء لحفظ الذاكرة الجمعية للمجتمع»، ومن ثم عدّد الزيان المواقع الاثرية في المغرب، من خلال التراث الإنساني والتراث الطبيعي، والتراث الذي يجمع بين الإنساني والطبيعة الخلابة، في مختلف مدن وقرى المغرب خصوصاً في فاس ومراكش والرباط.