«وحش»... بربطة عنق وبزّة رسمية

1 يناير 1970 12:53 ص

ليس شرطاً أن يتحول لاعب كرة القدم الناجح إلى مدرب أو إداري ناجح، فما يصحّ هنا قد لا يصحّ هناك.
خير دليل على ذلك الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، الذي يعتبر بنظر الكثيرين أفضل لاعب في التاريخ، بيد أنه لم يلمع كمدرب في المهمات المختلفة التي تولاها على هذا الصعيد، وخصوصاً على رأس الإدارة الفنية لمنتخب بلاده الذي ودّع مونديال 2010 في جنوب أفريقيا من الدور ربع النهائي إثر السقوط المدوي أمام ألمانيا برباعية نظيفة.
في المقابل، نجح الفرنسي زين الدين زيدان في نقل نبوغه كلاعب إلى وضعه المستجد كمدرب مع ريال مدريد الإسباني الذي قاده إلى تحقيق ثلاثية تاريخية في مسابقة دوري أبطال أوروبا (2016، 2017 و2018).
لا بدّ هنا من الذهاب في عمق الخطوة التي أقدم عليها نادي بايرن ميونيخ الألماني، ليس على الصعيد التدريبي هذه المرة، بل الإداري، عندما ضم حارس مرماه السابق أوليفر كانّ إلى مجلس الإدارة، قبل أيام.
ثمة اختلاف كبير بين التدريب والإدارة، فالأول سريع الارتداد بنتائجه على من يتولاه، فيما تعتبر الثانية «طويلة النفَس» وتحتمل الصبر على من يضطلع بها.
يُعتبر كانّ، أول حارس مرمى يُختار كأفضل لاعب في كأس العالم (نسخة 2002 في كوريا الجنوبية واليابان)، «ابن النادي البافاري» على الرغم من أنه برز تحديداً في صفوف كارلسروه قبل الوصول إلى ميونيخ حيث أمضى معظم مسيرته.
كل من سمع بوصوله من عشاق «بايرن» إلى إدارة النادي شعر بـ«دفعة تفاؤلية كبيرة» مستمدة من الشخصية الصلبة التي ميّزت اللاعب طيلة 14 عاما مع «العملاق البافاري».
وعلى الرغم من أنه قال في مؤتمر صحافي إنه «لن يكون هناك أي تدخلات أرضية في قاعة الاجتماعات» (تميّز بتصدياته للكرات الأرضية)، إلا أن كانّ يُعتبر من الشخصيات التي تعطي كل ما لديها عندما توضع تحت مجهر الامتحان، وخير دليل على ذلك مردوده في مونديال 2002 حين قاد منتخب بلاده «بمفرده» الى المباراة النهائية على الرغم من التشكيلة العادية التي لم تكن مرشحة للذهاب بعيداً في «العرس العالمي». يومها قال زميله في «ناسيونال مانشافت»، كريستيان تسيغه: «لو وُجد 11 أوليفر كانّ في الملعب، لتوّجنا بكأس العالم من دون عناء».
كانّ والهزيمة وجهان لعملة واحدة، لجهة عدم التقائهما. عنيد إلى حد بعيد، لكنه يعرف أيضاً كيف يخسر.
عشية مونديال 2006 في ألمانيا، ذُهل العالم بقرار مدرب المنتخب حينها، يورغن كلينسمان، باختيار ينس ليمان كحارس أساسي على حساب كانّ الذي أبدى امتعاضه وغضبه، حتى أن البعض تحدث عن انطوائه طيلة عمر البطولة عن زملائه، بيد أن ذلك لم يمنعه من مصافحة ليمان قبيل ركلات الترجيح أمام الأرجنتين في الدور ربع النهائي.
وعاد كانّ في تلك البطولة ليخوض مباراة «الترضية» لتحديد المركز الثالث حيث فاز الألمان على البرتغال 3-1.
صُبِغ الحارس الفذّ بصورة قاسية نوعاً ما عَكَسَها شكله المرعب، حتى ان أحد الحكام الألمان اعترف، قبل أسابيع، بأنه لم يكن يتردد في اتخاذ القرارات إلا عندما يتعلق الأمر بأوليفر كانّ نظراً إلى خشيته منه.
لذا، تعتبر رؤية كانّ بربطة عنق وبزّة رسمية بمثابة النظر إلى وحش في لباس محتشم، وهو الأمر الذي يطرح علامات استفهام عن قدرة «العابث» بالمدافعين ومرعب الحكام في الجلوس حول طاولة مستديرة والتحدث بلباقة وديبلوماسية.
لم يكن غريباً أن يقول بعيد توليه المنصب الإداري الجديد والذي يسبق خلافته لكارل-هاينتس رومينيغه في منصب الرئيس التنفيذي بدءا من يناير 2022: «العاطفة كانت هامة جدا بالنسبة الي كلاعب، لكن في عالم الاعمال ليس هذا مفيدا بالضرورة».

البداية قد تكون صعبة على كانّ (50 عاما) لكنه سيحظى بفرصة العمل الى جانب رومينيغه والمدير الرياضي البوسني حسن صالحميدزيتش في «قترة تأقلم» لمدة سنتين، لكن الأهم أن الآمال معقودة عليه لصناعة حقبة جديدة لـ«بايرن» بعد رحيل رومينيغه والعراب الكبير للنادي أولي هونيس الذي تخلى عن منصب الرئاسة العام الماضي.
يبدو أوليفر كانّ الفائز مع «بايرن» بلقب دوري أبطال أوروبا العام 2001 على حساب فالنسيا الإسباني، قابلاً للتطور، وراغباً في التعلم وخير دليل على ذلك أنه منذ اعتزاله، عمل كمحلل مع الناقل الالماني «زد دي اف» وحصل على ماجستير في ادارة الاعمال.
في الواقع يتمتع الرجل، بفضل مسيرته في الملاعب، بكفاءة عالية في كرة القدم، تضاف الى اكتسابه خبرة اقتصادية، وفوق كل ذلك يحمل «جينات بايرن».
لاعبون كثر تألقوا في الملاعب ونقلوا نجاحاتهم إلى عالم الإدارة أبرزهم البرازيلي ليوناردو الذي أمضى موسماً واحداً كلاعب في باريس سان جرمان الفرنسي (1996-1997) قبل أن يعمل فيه مديراً رياضياً على فترتين، ونجح بشكل منقطع النظير في تحقيق الانضباط في النادي في الحقبة الثانية تحديداً، مبرزاً حنكته التفاوضية من خلال إدارته لقضية شائكة محورها مواطنه نيمار، محاولاً رسم طريق يعيد من خلاله فريق العاصمة إلى المرتبة العليا على حساب نجوم كلّفوه الملايين.
وقاد ليوناردو عملية التفاوض الشاقة بشأن احتمال عودة نيمار إلى برشلونة الإسباني في الصيف، بعد عامين من تعاقد النادي الباريسي معه في صفقة بقيمة 222 مليون يورو، جعلت منه أغلى لاعب في العالم.
وعاد اللاعب السابق في يونيو 2019، لتولي الإدارة الرياضية بدلاً من البرتغالي أنتيرو هنريكي الذي تولى لنحو عامين، منصباً شغله ليوناردو حتى استقالته في 2013.
قرر ليوناردو عدم التنازل عن نيمار سوى بالشروط التي يراها مناسبة لمصالح ناديه، لم يقفل الباب أمام برشلونة لاستعادة خدمات البرازيلي، لكنه لم يتزحزح قيد أنملة عن مطالبه.
بهذا النهج، ربما، ينبغي على كانّ أن يعمل، مع العلم أن بيئة الـ«بايرن» أكثر هدوءاً، من تلك في باريس سان جرمان.
ليوناردو الذي تختلف مهمته في سان جرمان عن المهمة التي أوكلت إلى كانّ، كان مهندس انتقال لاعبين بارزين إلى صفوف الفريق في عهده الأول مثل السويدي زلاتان إبراهيموفيتش والبرازيلي تياغو سيلفا، والثاني مثل الحارس الكوستاريكي كيلور نافاس والأرجنتيني ماورو إيكاردي.
ليوناردو أصبح «الوجه الإداري» المشرق لباريس سان جرمان، وهذا ما ينتظره عشاق بايرن ميونيخ من أوليفر كانّ الذي عليه أن يكون «وحش مفاوضات» و«حنكة إدارية» على منوال ما كان عليه في الملاعب، فلهذه الأسباب وغيرها، جيء به إلى «أليانز أرينا».