جلسات التقييم الأميركية: أي مواجهة مع إيران ستكون على شاكلة حرب تحرير الكويت
ترامب تبنّى شعار: الاستعداد للحرب أفضل سبيل للسلام
في الجلسات التي خصصتها دوائر القرار في العاصمة الأميركية لتقييم سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، توصل بعض المتابعين الى ان الرئيس السابق باراك أوباما كان على حق، لا لأنه وقّع على اتفاقية نووية مع طهران، بل لأنه كان يرى أن النظام الإيراني ليس متهوراً، وأنه يقرأ الاوضاع الدولية بشكل دقيق ويقوم بحسابات جيدة.
ولأن طهران تقرأ تطورات الاحداث، فهي تتمدد عندما تبدي أميركا تهاوناً، وتتراجع عندما تظهر أميركا قسوة، وهو ما يعني ان مع الرئيس الحالي، خيار إيران الوحيد هو الانكفاء وانتظار نهاية رئاسة ترامب، وهي نصيحة يعتقد المعنيون الأميركيون أن وزير الخارجية السابق جون كيري اسداها لصديقه وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.
هكذا استعاد ترامب «قوة الردع»، ورسم خطوطاً حمر صارت إيران تعرفها، وتفادتها مرتين على الأقل، قبل مقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني، وبعد مقتله. وتتوقع واشنطن ان تلتزم طهران هذه الخطوط حتى اشعار آخر.
وللخطوط الحمر قصة عمرها أشهر، اذ هي بدأت منذ راحت إيران تتحرش بناقلات النفط بالخليج، من دون رد أميركي، ثم اسقطت طائرة أميركية من دون طيار سعرها اكثر من مئة مليون دولار، وفيما كانت البحرية الأميركية في طريقها لضرب القاعدة الإيرانية التي انطلق منها الصاروخ، ألغى ترامب الأمر، وأعلن انه تراجع لأن الإيرانيين لم يقتلوا أي أميركيين: اذن، خط ترامب الاحمر لإيران، هو حياة الأميركيين.
ثم واصلت طهران تجاربها حتى تتأكد أين هي خطوط ترامب الحمر، فشنّت هجوماً، تنصّلت من مسؤوليته، ضد منشآت النفط السعودية. ثم امتحنت ترامب بايعازها لتنظيم «كتائب حزب الله» العراقي الموالي لها بشن هجوم ضد قاعدة اربيل، التي يسكنها أميركيون، فقتل الهجوم حميد نورس، وهو أميركي مسلم من أصل عراقي.
ورغم ان «الحشد الشعبي» سارع الى التنصل من الهجوم، وحاول القاء المسؤولية على «فلول داعش»، الا ان شظايا الصواريخ التي سقطت في القاعدة أكّدت انها إيرانية الصنع من التي تزودها «طهران» لـ«الحشد»، اذ ذاك سارع ترامب الى اصدار اوامره بمعاقبة المرتكبين، فأغارت قواته على قواعد «كتائب حزب الله»، وقتلت قرابة 30 عنصراً.
وللرد على الرد الأميركي، ارسلت إيران «الحشد»، بقيادة حلفائها ابومهدي المهندس وهادي العامري وفالح الفياض، لقيادة تظاهرة اعتدت على النقاط الامامية لسور السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء. ويبدو ان طهران فهمت الخطوط الحمر، اذ لم تحاول الميليشيات العراقية الموالية لها اقتحام السفارة في بغداد او التسبب في سقوط اي ضحايا.
يقول المتابعون ان ترامب اعتبر الهجوم على السفارة شخصياً ضده، ورأى ان الصور التي بثتها شبكات التلفزة الأميركية تلطخ صورته وتجعله يبدو مثل أوباما، الذي وقف عاجزا أمام مقتل اربعة أميركيين في هجوم على السفارة في مدينة بنغازي الليبية. وعندما طلب الرئيس الأميركي من جنرالاته سيناريوهات للرد على إيران، زوده العسكر بسلسلة من الخيارات، ووضعوا قتل سليماني بمثابة العقوبة الاقصى، وهو ما اختاره ترامب.
على ان طهران لم تفطن الى ان ترامب لم يكن قد انتهى من عقابه. وعندما توعد الرئيس الأميركي، إيران، رد عليه مرشد الثورة في تغريدة بتسميته «ذاك الرجل يهددنا، لكن لا يمكنه ان يفعل شيء». في اليوم التالي لتغريدة علي خامنئي، قتل ترامب سليماني، ومعه المهندس.
وبعدما ثارت ثائرة الإيرانيين، على الأقل اعلامياً، ورصدت أميركا تحركات لوحدات إيران الصاروخية، تبنى ترامب شعار «الاستعداد للحرب هو افضل سبيل للسلام»، وراحت القوات الأميركية تعزز وجودها في المنطقة حتى وصل عددها إلى اكثر من 50 الفاً، بالتزامن مع نشر قاذفات «بي 52» الاستراتيجية المرعبة في مطارات تجعل إيران في متناولها.
كان التفكير الأميركي، حسب المشاركين في جلسات التقييم، ان أي حرب مع إيران ستكون على شاكلة حرب تحرير الكويت في العام 1991، وهي حرب يجمع الأميركيون على انها كانت انتصاراً باهراً، وهو ما يعني ان أميركا كانت تنوي شن حملة جوية، قد تستغرق اسبوعاً، تدمر خلالها معظم المواقع العسكرية الإيرانية، فضلا عن المواقع النووية، وربما البنية التحتية، وهو ما يشل إيران، التي يعاني اقتصادها اصلا من انهيار شبه كامل بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها.
وعلى مدى العقد الماضي، افادت طهران من حملة دعائية، بالمشاركة من قطاعات واسعة من الحزب الديموقراطي، مفادها أن أي حرب أميركية ضد إيران ستكون على شاكلة كابوس 2003، وهو ما يحرّض الأميركيين ضد اي مواجهة عسكرية مع إيران. لكن يبدو ان ادارة ترامب اعتبرت انها حتى لو خاضت حربا مع الإيرانيين، فهي ستشل النظام، لكنها لن تسعى لاسقاطه، وهو ما يجعل من النظام الإيراني ضعيفا، وتاليا منكفأ ومنشغلا بمشاكله، مثل رئيس العراق الراحل صدام حسين بعد العام 1991.
يبدو ان إيران ادركت التغيير الحاصل في السياسة الأميركية، فردّت بهجوم صاروخي على قواعد أميركية لم يوقع ضحايا، فحفظت ماء وجهها، الى جانب احترامها خطوط ترامب الحمر. هذا هو الدرس الذي استخلصه المسؤولون في العاصمة الأميركية، وهو درس اشعرهم بأن كابوس حرب الاطاحة بصدام حسين صار وراءهم، وانهم حققوا أول انتصار على إيران منذ فترة، واعادوا الردع في وجهها. لذا، بدا ترامب مزهواً في مؤتمره الصحافي، وحدد شروطه: لا نووي لإيران، ولا انسحاب أميركي من العراق.