أفضل ما فعلته الحكومة حين أثارت مآخذ وشبهات عدة حول الاتفاق الأخير الموقع مع الأشقاء في السعودية والخاص بالإنتاج المشترك للنفط في المنطقة المقسومة وما جاورها، إذ أبدى بعض السياسيين تخوفه ومآخذه على هذا الاتفاق محمله وزر التفريط في حقوق الدولة، مسترجعاً ومستذكراً في ذلك حقباً زمنية عدة مضت مسقطاً عليها ما يحدث الآن، والواضح أن هناك قراراً حكومياً سريعاً بالرد العلمي السياسي على مثل هذه المخاوف والمآخذ السياسية، وكان هذا الرد الحكومي - كما نفهمه - عبر لقاء تلفزيوني جمع ثلاثة من أعمدة العمل الديبلوماسي القانوني الذي قاد وشارك في هذه المفاوضات وتوصل إلى هذا الاتفاق.
قلت في جملة اعتراضية: «كما نفهم» لأن هذا اللقاء الذي تم مع هؤلاء الديبلوماسيين إما أن يكون قراراً حكومياً للرد على ما أثير سياسياً حول هذا الاتفاق الأخير، وهكذا يظهر من مجريات الأمور، وإما أن يكون لقاءً عادياً الهدف منه إبراز الجهود الحكومية، وفي هذه الحالة فهو لا يعنينا في هذا المقال، ما يعنينا هو كونه لقاءً بقرار حكومي للرد على الشبهات حول الاتفاق.
ولهذا فإنه - وإن كان القرار الحكومي بمواجهة أي شبهات أو انتقادات سياسية عن طريق مواجهتها ومقارعة الحجة بالحجة والظهور الإعلامي للرد والمناقشة هو قرار محمود بلا أي شك - لكن الحقيقة أن الحكومة لم توفق أبداً في اختيار الطريقة لهذا الظهور والمواجهة الإعلامية في هذا الموضوع.
الموضوع - محل النقاش والانتقاد والرد - شائك ومعقد جداً من الناحية القانونية والسياسية والواقعية، وهو حساس أيضاً لخاصية وطبيعة العلاقة بين البلدين ذات الصلة، وكان يحتاج إلى جهود تجيد وتعي مخاطبة المجتمع إعلامياً لا إلى كلام ديبلوماسي منمق.
لا أحد يستطيع أن يقلل من مكانة وجهود فرق العمل التي قامت على هذا الاتفاق سواء من ظهر منها في هذا اللقاء أو غيرها، فهم أناس أفاضل وجهودهم واضحة، لكنهم مع كل هذا قد لا يجيدون مخاطبة المجتمع إعلامياً، أكرر: إن كان هدف اللقاء هو الرد على الشبهات التي أثيرت، اللقاء كان مليئاً بالعبارات الديبلوماسية التي تستخدم عادة في التصريحات، ولا يستطيع أن يفهم أي متابع له ما هو الخلاف ؟ وكيف تم حله واحتواؤه ؟ وكيف حافظت الدولة عبر هذا الاتفاق على كامل حقوقها ومراكزها السياسية والقانونية ؟ هذا هو لب ما يأخذه البعض ويثيره، وهو ما لم يتم التطرق له إلا عبرالديبلوماسية، التي قد لا تسعف الحكومة في مواجهة المجتمع في هذا الملف.
العالم كله يمر في منعطف إعلامي خطير، وهناك قواعد جديدة لهذا الإعلام، وله أدواته، وقد يتشكل رأي عام ضدك أو معك بسهولة خلال هذه الأدوات وبسرعة أيضاً، فإن كانت الحكومة قد قررت في بعض الملفات - على الأقل - الدفاع عن مواقفها والتوضيح للمجتمع، فهي تحتاج إضافة إلى هذا القرار أن تجيد مخاطبة المجتمع إعلامياً حتى تثمر جهودها وتتضح حجتها.
@lawyermodalsbti