تواصلنا وتزاورنا وتجادلنا واتفقنا وتعاونا...
كتب عني في جريدة «الاقتصادية» السعودية، وكتبت عنه في جريدة «الراي» الكويتية، عرفته عن كثب لا عن كتب وخبرته عن دراية لا عن رواية.
كثير من الناس نحترمهم ونقدر جهودهم ونشكر عطاءاتهم ونشهد بصلاحهم لكن تظل بينك وبينهم مسافة لاختلاف الطبائع والأمزجة والميول والاهتمامات، لكن الأستاذ نجيب الزامل قبل أن تلقاه وبمجرد الاتصال الهاتفي التعارفي الأول به مع نبرات صوته الشجية وحفاوته كأنك تعرفه من زمن بعيد فيحصل (التعارف) و(التآلف) بين الأرواح، وعند اللقاء يكتمل مشهد الصداقة بـ(التكاتف).
فكان الأستاذ المربي وعضو مجلس الشورى السعودي السابق نجيب الزامل نعم الأخ والصديق المحب الناصح.
استضفته في حلقتين متتاليتين ببرنامجي (قذائف) في تلفزيون «الراي»، الأولى حول رحلته من الحيرة في البحث عن أجوبة الأسئلة الوجودية حتى وصوله إلى شاطئ اليقين، والثانية كانت عن الدعوة إلى الله، وكما كان الأستاذ الزامل ناقداً للمثقفين العرب الذين عطل عقولهم الانبهار بمفاهيم الغرب من غير تمحيص وغربلة، كذلك كان مشرحاً بكل صراحة لخطاب دعاة التنفير من الدين باسم الدين!
لكن نقد الزامل يتصف بمن ينقد وقلبه على إصلاح المنقود وللمصلحة العامة، لا للتنفيس عن ضغائن أو نفثة صدور.
فهو كالنار الخفيفة الهادئة التي تطهر الجرح ولا تؤذي المريض.
ولا أفشي سراً إن قلت إن الصديق الراحل كان أحد الذين أحوّل عليهم من يأتيني أو يتصل بي، ممن عندهم مشاكل فكرية وشكوك سواء من بلده أو من غيرهم.
وكانت غالبا ما تكون نتائج تواصلهم معه إيجابية.
ولعل الفتاة الكويتية الشكاكة التي ذكرت قصتها في برنامجي «بيني وبينكم» الرمضاني مثال على ذلك، وكان اللقاء بها مع الأستاذ الزامل في أحد الفنادق في الكويت أثناء تواجده به أيام تسجيلي معه حلقات برنامج (قذائف).
أما العمل التطوعي والإنساني ونجاحاته به وتطويره له، في اهتمام الراحل العزيز فأمر أكبر وأشهر من أن نشير إليه ولله الحمد والفضل.
وفي ذات الفندق حصل مشهد عجيب مع الفتاة التي تجلس على الكرسي المتحرك، وتعاني من شلل رباعي وعسر في النطق وكانت بصحبة والدتها وأخواتها... كيف بادرها نجيب؟ وماذا قال لها؟ كانت لقطات قصيرة لكنها موحية ومعبرة وتربوية لنا جميعاً، ومع ذلك كانت له مداخلة هاتفية تلفزيونية معها يوم كانت في برنامج مسائي مباشر على «الراي»... ولن تنتهي مواقفه الإنسانية التي تصدر عن سجية لا عن تكلف وبتلقائية بلا تصنع.
نجيب الزامل، شخصية نادرة وكنز ثمين في جوانب عديدة، في سماته الشخصية أو في تعاملاته الراقية أو في اهتماماته العالية أو في ثقافته الواسعة أو إنجازاته النوعية، نحتاجها في حياتنا التي اتسمت بالجفاف وازدياد الفردية والاغتراب.
سيبقى قدوة في ما تركه لنا من ذكريات ومواقف وإنجازات، وسيظل رصيده المقروء والمرئي أجندة لمن يريد الإصلاح المعاصر.
رحمك الله بواسع رحمته وجعلك مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وأسبغ على أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.