إشاعة مناخات عن تفاهُمات أميركية - إيرانية «بروباغندا محلّية»

لبنان: تأليف الحكومة انطلق في «منطقة رمادية» والخيوط الإقليمية... على الخط

1 يناير 1970 09:27 م

عشية دخول تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان أسبوع الثاني غداً، لم تخْرج البلاد من "تحت تأثير" تشظياتِ المسار الذي أوصل إلى تسميته التي ما زالت تصطدم في الشارع بـ "حائط صدٍّ" في البيئة السنية وبما يشبه "نصف الفرصة" التي تمنحها "ثورة 17 أكتوبر" لتبيان "الخيط الأبيض من الأسود" فيما إذا كان مخاض التأليف سيُفْضي إلى تشكيلةٍ من اختصاصيين مستقلين تصرّ عليها الانتفاضة الشعبية تمهيداً لانتخاباتٍ نيابية مبكّرة.
ولم يَحُلْ استعدادُ البلاد لأخْذِ "استراحة" عيد الميلاد دون انطلاق مسار التأليف الحكومي القابعِ في "منطقة رمادية" كبيرة تُظَلِّل العديد من جوانبه رغم الخيارات الحاسمة لـ "ثلاثي" تيار المستقبل (بقيادة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري) وحزبيْ "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي" برفْض المشاركة بأي شكل في الحكومة الجديدة.
فهذا الواقع الذي يجعل التحالف الذي أوصل دياب بـ "تكليف اللون الواحد" (من فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما) أمام حتمية الوصول إلى حكومة اللون الواحد، لا يُسقِط التباسات عدة تحوط بنقاط عدّة أبرزها "دوز" الحزبي - السياسي في "خلْطة" حكومة الاختصاصيين التي أعلن الرئيس المكلف أنه يريد تشكيلها.
ذلك أنه بعدما كان دياب أكد أكثر من مرة أنه مع تشكيلة الاختصاصيين المستقلين، في موازاة إشارات من "حزب الله" إلى أنه مع أوسع مشاركة وأوسع غطاء سياسي للحكومة، جاء كلام شريكه في الثنائية الشيعية رئيس البرلمان نبيه بري ليؤشر إلى رغبةٍ في "مساكنة" بين الحزبي والاختصاصي في "حكومة الإنقاذ".
ولم يتوانَ بري أمس عن تأكيد أن لا مشكلة "اذا كانت حكومة اللون الواحد بعد كل محاولات إشراك الجميع"، معتبراَ "ان ‏مثل هذا الأمر يحصل في أكثر ديموقراطيات العالم"، وقائلاً رداً على قول دياب إنه يريد حكومة من الاختصاصيين والمستقلين: "هذا رأيه ولنا رأينا. وفي أرقى الديموقراطيات يشترك حزبيون وتكنوقراط في مجلس الوزراء الواحد. ‏وتستطيع الأحزاب أن تقدم وجوهاً شفافة وخبيرة وقادرة على تولي إدارة الوزارات".
وفيما اعتُبرت الإشارات المتناقضة حيال طبيعة الحكومة وشكلها على أنها مؤشر إلى أن مسار التأليف قد يكون بدأ سلوك "درْب الأشواك" بين أبناء الصف الواحد، برز أمس كلام نقله زوار دياب عنه حول أنه يريد لحكومته معايير توحي بالثقة "فتكون مصغرة ومتجانسة وتضم أخصائييين مستقلين وغير حزبيين وخصوصاً في الوزارات الحساسة والدقيقة".
وإذ لم يُعرف إذا كان هذا الكلام من باب فتْح الباب أمام تشكيلة تكنو - سياسية، سواء بمعنى تكنوقراط يعيّنهم الأحزاب أو تكنوقراط يتعايشون مع حزبيين، فإن عملية التأليف أخذت أمس منحى تنفيذياً للمرة الأولى منذ التكليف وذلك مع الزيارة التي قام بها دياب للرئيس عون.
وفي حين كان عون جَزَمَ إبان التفاوض مع الحريري بأنه متمسك بحكومة تكنو - سياسية في موازاة إعلان حزبه ("التيار الوطني الحر") أنه مع حكومة من اختصاصيين تعيّنهم الأحزاب، يفترض أن يكون الرئيس المكلف بحث مع رئيس الجمهورية في مواصفات الحكومة والوزراء وعددهم (يريدها دياب من 18 أو 24 وزيراً) والحقائب الوازنة بعدما أنجز دياب هيكلية أولية في هذا المجال.
وفي الوقت الذي شكّلت تغريدة زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية (قريب من حزب الله) عن أنّ "ما ظهر حتّى الآن من طبخة الحكومة أنّها ستكون حكومة ظاهرها مستقل وباطنها مرتبط بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل (رئيس "التيار الحر") إشارةً إلى ان مسار التأليف ربما ينزلق إلى النهج نفسه الذي حَكَمَ تشكيل الحكومات قبل الثورة، فإن ما يعكسه هذا التباين المبكر هو أن إخراج الحريري من رئاسة الحكومة ينطوي على بُعد داخلي ذات صلة بالمزيد من إحكام القبصة على الواقع السياسي.
وما عزّز هذا الانطباع لدى أوساط مطلعة كان الدخول الإيراني المباشر على خط مباركة تكليف دياب بالتوازي مع "فتح النار" السياسية على المملكة العربية السعودية، وهو ما لم يسهّل مهمة الدفاع عن "استقلالية" الرئيس المكلف وعن أنه لم يكن مرشّح المحور الإيراني، بدليل إعلان النائب نهاد المشنوق "نشكر السيد علي ولايتي على تبنيه الرئيس المكلف. لقد أزال عن ظهرنا حمل اتهامه بأنه مرشّح إيران".
وبهذا المعنى يخضع موقف "حزب الله" وكيفية إدارته للملف الحكومة لمعاينة دقيقة بعدما بات واضحاً أن كل الطرق تؤدي إلى أن الإمرة في يده هو الذي مارس أكثريته البرلمانية للمرة الأولى في الكليف وصار التأليف يصبّ في جيْبه أياً تكن اتجاهاته، وسط رصْد لما سيرتّبه ذلك على الواقع اللبناني عموماً وردّ الفعل الخارجي ولا سيما في أعقاب سقوط "الدرع السياسي" الذي كان يشكله وجود الحريري على رأس حكومة وحدة وطنية تضم حلفاء للشرعيتين العربية والدولية، بما يجعله الآن وجهاً لوجه أمام المجتمع الدولي.
ولم تستكن في بيروت الأسئلة عن سر اندفاعة الحزب "الكاسرة للتوزان" داخلياً والتي رواحت قراءتها بين الاعتقاد بأنها في سياق قرار بالرد على ما تتعرض له ساحات النفوذ الإيراني ولا سيما في العراق، أو الإفادة مما رُوّج له على أنه إدارة ظهر أميركية لما يجري في المنطقة.
وفي هذا الإطار، بدا الكلام في بيروت عن أن إخراج الحريري من السلطة والإتيان بدياب بقوةِ نفوذ حلفاء إيران هو وليد تفاهماتٍ أميركية - إيرانية تمت عبر قناة تَفاوُض خلفية في سلطنة عُمان، مجرد "بروباغندا محلية" تهواها أصواتٌ قريبة من "حزب الله" في إطار "ألاعيب داخلية"، لا تعكس بالضرورة وقائع فعلية ولا التقويم الفعلي لـ "حزب الله".
وقالت أوساط واسعة الإطلاع في بيروت لـ "الراي" إن ما يشاع عن تفاهمات بين واشنطن وطهران، كان ثمرتها "الإنقلاب المُقَنَّع" في بيروت وعكستْها الزيارةُ الهادئة لديفيد هيل، هي سيناريوات مُتَخَيَّلة القصدُ منها الإيحاء بأن الولايات المتحدة لا تتوانى عن "بيع حلفائها" عندما يحين وقت المقايَضات.
ورأت الأوساط أن الولايات المتحدة التي تحصد الآن ما زرعتْه حربها الناعمة على طهران وبغداد وبيروت، تبدو كمَن يتفرّج على العواصف في الشرق الأوسط بعدما دخلت سياستَها في المنطقة ما يشبه "الوقت المستقطع" في إنتظار ما سيتؤول اليه الإنتخابات الرئاسية في واشنطن، التي ينصرف دونالد ترامب إلى خوضها بقضه وقضيضه، وتالياً فإن الإدارة الأميركية خفّضت محركاتها إلى الحدود الدنيا.
واللافت، بحسب الأوساط الواسعة الإطلاع، أن زيارة هيل لم تحمل أي تبديل في المقاربة الأميركية لما يجري في لبنان والمنطقة، لأن إدارة ترامب، التي تدير عن بُعد حربَها بالعقوبات التي شملتْ "حزب الله" وقد لا تستثني حلفاءه في المرحلة المقبلة، تدير ظهرَها لأي مواجهات وجهاً لوجه بعدما قررتْ الإنسحاب عسكرياً من المنطقة.
وفي قراءة هذه الأوساط لما يجري في المنطقة، أن إحتفاظ واشنطن بوجود عسكري "رمزي" في الشمال السوري جاء بناءً لرغبة أطراف إقليمية، في الوقت الذي يتركز جهد الإدارة على أميركا اللاتينية، وهو ما يفسر إقتصار مهمة هيل في بيروت على "العموميات" الأقرب إلى "ربْط نزاعٍ"، تماماً كما هو حال السلوك الأميركي الآن حيال الصراع الطاحن الدائر في بغداد حول هوية الرئيس العتيد للحكومة، إذ جاء الرد على إستمزاج رأي الأميركيين بأنهم غير معنيين.


«لا تغطية ولا مشاركة ولا ثقة»

الحريري: الحكومة المقبلة ستكون حكومة باسيل والحرب على الحريرية السياسية لن تمرّ

أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أن "الحكومة المقبلة ستكون حكومة الوزير جبران باسيل" مؤكداً "لن أترأس اي حكومة يكون فيها باسيل".
وقال الحريري في دردشة مع الإعلاميين أمس: "لا يمكن أن أعمل مع مَن يهاجمني على الدوام وبيربّحني جميلة، ولم ألتقِ الرئيس المكلّف حسان دياب قبل يوم واحد من تكليفه كما أشيع إنما قبل أسبوع في إطار المشاورات التي كنت أجريها"، مضيفاً في إشارة إلى دياب والحكومة العتيدة وموقف تيار "المستقبل" منها: "لا تسمية، لا تغطية ولا مشاركة ولا ثقة إذا تطلّب الأمر".
وفي ردّ على كلام رئيس البرلمان نبيه بري عن بأنه سبق أن حذّر الحريري، الذي ربما يكون نادماً على انسحابه من السباق إلى رئاسة الوزراء "من اللعب بالنار"، قال زعيم "المستقبل": "الرئيس بري يعلم انني لا ألعب بالنار انما تعوّدت على إطفائها ولست نادماً على الاطلاق، والحرب على الحريرية السياسية لن تمرّ وسنتصدى لها بقوّة ولن أقبل بشيْطنة السنّة واتهامهم بسرقة البلد".