شكّلتْ عودةُ «ثورة 17 أكتوبر» أمس، إلى الساحات في «أحد الرفض» الذي راوح بين الاعتراض على تكليف حسان دياب تأليف الحكومة الجديدة وبين رسْم خط أحمر أمام أي تشكيلة تقوم على أساس المحاصصة السياسية والحزبية عاملَ فرْملة للمنحى الطائفي - المذهبي الذي كان انزلقتْ إليه «الغضبةُ» في البيئة السنية على «إسقاط» الثنائي المسيحي - الشيعي اسم رئيس الوزراء من خارج «الميثاقية» (حاز أصوات 6 نواب سنّة فقط).
وجاء التحرك أمس ولا سيما في «ساحة الشهداء» والذي حَمَل تثبيتاً لمطلب قيام حكومة اختصاصيين مستقلّين في موازاة اعتبار دياب، الذي جرى تكليفه يوم الخميس، جزءاً من المنظومة التي أدارت البلاد (كان وزير تربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي 2011)، ليعبّر عن إدراك الانتفاضة مَخاطر ما اعتبرتْه «مناورات» من السلطة عبر الأحداث التي وقعتْ في عدد من المناطق قبل التكليف وبعده «لإظهار الانقسام بأنه طائفي وأنّ الثورة قد انحرفتْ عن أهدافها».
وإذ أتت استعادة الانتفاضة لتوهُّجها لتكرّسها مجدداً «شريكاً مُضارِباً» للسلطة في مسار استيلاد الحكومة العتيدة، فإن تزامُن هذا التطور مع محاولة الرئيس المكلف «جذْب» الحِراك إلى حوار معه أَحْدَث ردّ فعل عكسياً في صفوف «الثوار» الذين اعتبروا ما جرى محاولةً لشقّ صفوف الانتفاضة التي لم تلبِّ أي من مجموعاتها المؤثّرة طلب دياب لقاء ممثلين عنها ليقتصر الأمر على أفراد زاروه بصفة شخصية وسط اعتراضات «على الأرض» وأمام منزله لم تخلُ من مشادات بين منتفضين ومَن تَفرَّدوا بمحاورة السلطة، وذلك قبل أن تضع الهيئة العامة للثورة «ورقة سياسية تحدّد كيفية تعاملها مع الملف الحكومي».
وفيما عَكَسَتْ عودة الانتفاضة «إلى سلاحها» الشعبي حجم الثقة المفقودة بأطراف السلطة وسط ارتيابِ الثوار من سيناريوهاتٍ لإغراق حِراكهم في «الرمال المتحركة» الطائفية والمذهبية تمهيداً لمعاودة اللعب بين أركان الائتلاف الحاكم على طريقة BUSINESS AS USUAL، فإن اليوم الرابع بعد تكليف دياب لم يحمل أجوبةً حاسمة حيال مرحلة التأليف ومآلاته رغم التسريبات عن أن «تسمية اللون الواحد» للرئيس المكلف والتي اقتصرت على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» وحلفائهما جاءت من ضمن PACKAGE DEAL جاهز يشمل شكل الحكومة وتركيبتها.
وبعدما كان دياب الذي أجرى السبت مشاوراته غير المُلْزِمة مع الكتل البرلمانية حول حكومته، أكد التزامه تشكيل «حكومة مستقلين واختصاصيين مصغّرة من نحو 20 وزيراً (أو أكثر بقليل أو أقلّ)»، مشدداً على «ان الأطراف تتماشى معي في ذلك، وبمن فيهم حزب الله»، ممهلاً نفسه فترة زمنية تراوح بين 4 و 6 أسابيع لإنجاز هذه المهمة، فإن رزمة علامات استفهام تُطرح حيال «ثقة» دياب بكلامه عن تشكيلة الاختصاصيين المستقلين في وقت كرّر «حزب الله» إشاراتٍ يُفهم منها أنه لم يسلّم بهذه المواصفات للحكومة حتى الساعة.
وبعد حديث رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد عن الحاجة إلى حكومة تضمّ «أوسع تمثيل»، لاقاه أمس عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، مؤكداً «نطالب بأوسع مشاركة في الحكومة شرط أن تكون المواصفات مع رؤية الرئيس المكلف».
وفي هذا الإطار، تتساءل أوساط واسعة الإطلاع عما إذا كانت «خطوط التباين» الخافت حول شكل الحكومة هي في إطار تَلافي مفارقة نافرة سيشكّلها سير تحالف فريق عون - الثنائي الشيعي بحكومة اختصاصيين مستقلين لطالما رفضوها برئاسة الحريري وذلك بمجرّد تكليف شخصية غير زعيم «المستقبل»، وتالياً فإن الأخذ والردّ ضمن المهلة التي حددها دياب هو «مدروسٌ» لجعْل هذا الخيار لا يظهر وكأنه «معلَّب».
وإذ تشير إلى أن خروج الحريري من رئاسة الحكومة ربما يحتّم في ذاته على «حزب الله» السير بحكومة اختصاصيين تفادياً لخيار «حكومة المواجهة» (في ضوء رفْض الحريري و«القوات اللبنانية» و «التقدمي الاشتراكي» المشاركة) ودفْعاً نحو «حكومة لون واحد مقنَّعة»، لا تتوانى عن استحضار تجربة يناير 2011 حين أطاح تحالف عون - «حزب الله» بحكومة الحريري باستقالة الثلث زائد واحد من أعضائها ثم قُطع لزعيم «المستقبل» «وان واي تيكيت» حتى 2016 حين عاد إلى الُحكم مع التسوية التي أوصلت عون إلى قصر بعبدا.
وتستذكر هذه الأوساط عبر «الراي» أنه في تلك المرحلة التي حَكَمَها ما عُرف بمبادرة «سين سين» أي المسعى السعودي - السوري لاجتراح «تسوية» بملاقاة القرار الاتهامي الذي كان منتظَراً في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والحدّ من تداعياته، شكّل إقصاءُ زعيم «المستقبل» من رئاسة الوزراء واحدةً من حلقات مترابطة مع الوضع العراقي، بحيث نفّذت إيران حينها «الانقلاب» على حكومة الحريري وبعد أشهر فرضتْ نوري المالكي في العراق.
وفي حين بدا أن التوازي في الوضعين اللبناني والعراقي يكرر نفسه اليوم، ذكّرت الأوساط بأنه قبل سقوط مبادرة «سين - سين» كان «حزب الله» لمّح إلى أن الحريري وافق على شروط التسوية (تتصل بالمحكمة الدولية ونقاط أخرى) لتأتي الإطاحة به مُناقِضةً لـ «الأسباب الموجبة» من زاويةِ أصل المبادرة «الموْضعي»، كاشفة في الوقت نفسه لـ «الراي» أن الحريري الذي كان حين إسقاط حكومته في واشنطن يلتقي الرئيس باراك أوباما، سبق أن أبلغ خلال الزيارة نفسها لواشنطن، الملك السعودي (الراحل) عبدالله بن عبد العزيز، الذي كان يقضي فترة نقاهة، أنه لا يمكن أن يسير بالشروط التي يحاول الفريق الآخر فرْضها عليه «وإذا فعلتُ لن أرجع إلى لبنان لأنه لن يعود في مقدوري وضع عينيّ في عيون حلفائي المسيحيين في 14 آذار».
ومن هنا، تسأل الأوساط المطلعة هل ثمة جانب خفي أمْلى إحراج الحريري لإخراجه من رئاسة الحكومة في 2019 لاعتباراتٍ إقليمية، ملاحظةً أن «حزب الله» لم يُخْفِ أن خيار دياب، الذي بدا وكأنه عملية «إنزال» خلف خطوط الترسيمات الطائفية وأحجامها، أتى لتوجيه رسالة إلى واشنطن عشية وصول الديبلوماسي ديفيد هيل إلى بيروت بأن «التحكّم والسيطرة» في لبنان بيد الحزب عبر الأكثرية.
وكان لافتاً قول الشيخ نبيل قاووق أمس «إن أميركا حاولت أن تستغلّ الأزمة الداخلية في لبنان لتحقيق مكاسب سياسية، فجاء تكليف الرئيس دياب ليقطع الطريق على الاستغلال الأميركي».
وإذ تردّ مصادر متابعة أخرى على هذه القراءة بالقول إن الحريري كان ليصبح الرئيس المكلف في 16 الجاري لو منحتْه «القوات» أصوات كتلتها الـ 15 ومعتبرة أن زعيم «المستقبل» نفسه عزا عزوفه إلى موقف «القوات» بالدرجة الاولى «فأنا مع سلام الطوائف»، تدعو إلى انتظار ما سيرسو عليه شكل الحكومة وإذا كان «حزب الله» سيسير بلا الحريري بما رفض السير به معه.