لا أظن أحداً بقي في المجتمع يؤمن بصدق الديموقراطية، ولا أحد - كما أظن - ظل يؤمن بتوافر قواعد تعادل الفرص وضوابط العدالة الاجتماعية أو غيرها من المسميات الجميلة والمعاني العظيمة، الكل كفر بمثل هذه المسميات والمناهج، عدنا إلى الجاهلية المجتمعية الأولى... «قوّتك» هي الأساس في المجتمع! القوة هنا لا تعني العضلات المفتولة والسيوف المصقولة كما كان الحال في الجاهلية المجتمعية، بل تعني قوّتك في مراكز اتخاذ القرار: واستبدلنا السيوف بالديموقراطية!
الديموقراطية والعدالة والرخاء ليست انتخابات! تلك التي هي وسيلة من وسائل تحقيق هذه الأهداف التي يرجوها المجتمع، هي مثل السيارة التي تستخدمها للوصول إلى بيتك، لكنها قد توصلك للسكراب إذا أخطأت الطريق، أو قد توصلك لمكان لا ترغب في سماع اسمه إذا أسأت استعمالها! ومثلها تفعل الانتخابات في مجتمعنا!
لكن لماذا يمارسها المجتمع رغم الكفر بها؟ لماذا هذا الاهتمام والتكالب على الانتخابات رغم أنك تعلم في قرارة نفسك أن كل ما تسمعه ليس سوى تمثيل وغير حقيقي؟ الجواب بسيط جداً: المجتمعات بطبيعتها ومنذ بداية تكوينها تتأقلم مع قواعد الحياة فيها، فإذا ما رأت أنها لن تستطيع أن تعيش إلا إذا كان لها جنود أقوياء البنية ويملكون سيوفاً قوية، راحوا لإيجاد هؤلاء الرجال وشراء هذه الأسلحة حتى أنهم أحياناً يُدخلون في مجتمعاتهم من ليس منهم رغبة في قوتهم كما كانوا يوالون من أجل القوة والحماية، وأحياناً ينتقلون من مكان إلى مكان رغبة في القرب ممن يناصرهم والبعد عن أعدائهم.
وهكذا هي قواعد التأقلم المجتمعي، ونحن أيضا نمارسها، فكل الفئات سياسية واجتماعية كبيرة وصغيرة تسعى إلى إيجاد ممثلين لها في هذه «التمثيلية» لضمان مراكز قوتهم وتحقيق المصالح، المرشحون يحققون مصالحهم الشخصية مادية كانت أو معنوية وهي واضحة لا حاجة لنا في شرحها، الناخبون إما راغبون في تعزيز مواقفهم الشخصية لدى «العنصر المستقبلي للقوة» لقضاء الحاجات التي لا تقضى دونه، أو رغبة في البقاء ضمن المشهد التمثيلي الذي يجمع الجميع ولا أحد يود البقاء خارجه! حتى من يتكلم وينظّرفي الديموقراطية وينتقد الخطأ في ممارستها - كحالنا- هو بين أمرين إما أنه لا يجيد الكلام عن غيرها لذا فهو «يلت ويعجن» فيها، وإما أنها عملية «تنفيس» بحتة حتى لا ينفجر الداخل الغاضب، وما كل هذه الضوضاء من الكلام حولنا والذي يملأ كل المواقع حول الديموقراطية إلا لهذين السببين ليس إلّا.
مثلنا ومثل الديموقراطية كحال جماعة دعاهم صاحبهم على وليمة «باچه» وكانوا من هواة فتح الرؤوس والتقاط ما في داخلها من مخ وتغيير مكانه من داخل رأس الخروف إلى داخل أمعائهم بعد تغيير ملامح طعمه بالحامض والحار، وهم من المشهورين بأكل «اللسانات» الممزوجة بالفلفل الحار، وبعضهم لا يعفّ عن أكل عيون رأس الخروف بعد إخراج محتوى داخل عظامه، فأعدوا عدتهم لوليمة «لحمة الراس» وما جاورها، وما أن أخذوا مواقعهم وفسروا عن سواعدهم وكشفوا غطاء وليمتهم حتى اكتشفوا أن «الباچه» أعدت على رؤوس الجراد فخابت ظنون بطونهم! وبدل لحمة الراس أكلو «لخمة ولچمة راس»!
@lawyermodalsbti