خالد وتر الكمنجة الحزين... خالد لحن العود الدافئ... خالد أمواج الصيف الهادئة، تسحرك ابتسامته وهو يحدثك برقة ورفق، فتراه فجأة يخفض لك عينيه الكحيلتين، استحياء لو خانه التعبير أو خانته اللياقة الأدبية في التخاطب.
عاش خالد بعاطفة جياشة متدفقة، وتعامل مع الحياة بإحساسات مرهفة، وقدم للآخر صدق مشاعره.
منذ كنا صغاراً في كل زيارة إلى بيت عمي بوسعود في العمرية، كنت أختلق الأعذار لكي يسمح لي أبي بالمكوث في بيت عمي لمدة يومين أو أكثر، واللعب مع خالد فقد كنا في سن واحدة.
كنا كعادة الأولاد في زماننا الجميل قبل أن تلوثه الأحقاد والحسد والغيرة، كنا مغرمين بصيد طيور الربيع الجارحة؛ فكنا نأخذ أكثر من (فخ) منها (العترة) ومنها (أم شبك) لاصطياد الطيور بدءاً من حديقة الحيوان، التي كنا ندخلها بالتحايل أو خلسة مروراً بالسلك الذي ضرب حول مصنع الطابوق الجيري على الدائري الرابع، وكنا نطلق عليه آن ذاك (الشبك)، ناهيك عن ارتياد سينما غرناطة في خيطان ومشاهدة أفلام العراب لالباتشينو وأفلام ربورتر دينيرو، وأفلام الكابوي.
ثم فرقتنا الدنيا وقست علينا الأيام بمن فيها، كبرنا ودخلنا معترك الحياة ويا ليتنا لم ندخل وبقينا في تلك السن الغضة الشفافة، ولكن هي سنة الحياة.
كل منا تزوج ورزقنا بأبناء، ونظراً لأنني نذرت حياتي لتحصيل العلم والبحث العلمي، فكانت حياتي كلها سفر لسنوات عدة لا أرى فيها بلدي الكويت الحبيبة، ولكنني يقيناً أساهم مثل غيري في رفع اسمها عالياً. فلم أكن ألتقي بخالد إلا في المناسبات أو الأحداث، ولعل آخر مرة التقيته كان ذلك في حدث وفاة والدي سالم خليل عبدالله بوراشد - رحمه الله وأكرم مثواه - و كان ذلك بتاريخ 13 أبريل 2002، وأصررت يومها أن يكون عزاء والدي في بيت عمي كبير عائلة بوراشد وحكيمها عبدالعزيز خليل عبد الله بوراشد - رحمه الله وأكرم مثواه - بعد هذه الأيام حقيقة لم ألتق بخالد بسبب حصولي على الدكتوراه وترشيحي لتمثيل الكويت في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
قبل الإفطار بسويعات جاءتني رسالة هاتفية من ابني سالم كتب فيها «عظم الله أجرك عمي خالد عطاك عمره»، تمالكت نفسي كعادتي مع الأحداث العظام، وتذكرت قوله تعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون»، ولم أستطع السيطرة على عيني التي اغرورقت بالدموع، وحضرني قول المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون». نعم إنا على فراقك يا خالد لمحزونون.
مباشرة كلمت أخي نواف مستفسرا فقال لي «لقد كنت معه وصلينا العشاء والتراويح وذهب لينام قليلا استعداداً لصلاة القيام»، علماً بأنها ليلة السابع والعشرين من رمضان... ترى ماذا طلبت من ربك يا خالد... ماذا دعوت في تلك الليلة المباركة يا ابن العم، لأني أعرفك وأحسك وأستشعرك؛ فيقينا طلبت في هذه الليلة المباركة لقاء ربك، فاستجاب لك العلي القدير، وحفك بملائكته لتعرج بروحك الطاهرة إلى السماء لملاقاة نور وجه ربك نور السماوات والأرض، ولتكتسي شفاعة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
أي خالد لقد أفجعني خبر وفاتك
أي خالد لقد أوجعني رحيلك
أي خالد لقد آلمني فراقك يا ابن العم
ادمعي أيتها العين فخالد يستحق من يذرف عليه الدموع
احزن أيها القلب فخالد ترك فيك فراغا لا يسد
صومي أيتها النفس فكيف نأكل على مائدة ليس فيها خالد
اللهم يا مالك الملك يا جبار يا قدير لقد مات ابن عمي خالد في شهرك الفضيل، وفي أيامك المباركة وفي ليلة هي خير من ألف شهر... اللهم يا غفار يا رحمن يا رحيم، اغفر لابن عمي خالد، وارحمه، وأكرم مثواه، واجعل قبره برداً وسلاماً.
fahd61rashed@hotmail.com