ديبلوماسي أميركي يحذّر من حكومة «تبديل كراسي على سفينة تايتنيك»

لبنان يترنّح فوق علبة مفاجآت ... فماذا يخبئ «الاثنين الطويل»؟

1 يناير 1970 10:26 م

... في استعارةٍ لتوصيفٍ بالغ الدلالة، أَطْلَقه نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جوي هود، يمكن القول إن الحكومةَ «المحتملةَ» في لبنان والتي تم الاتفاقُ عليها بـ«الأحرف الأولى» بين القوى السياسية الرئيسية هي أشبه بـ«إعادة ترتيب الكراسي على سفينة تايتنيك».
كلام هود الذي جاء في إفادةٍ أدْلى بها أمام مجلس الشيوخ حول لبنان والعراق، تَزامنَ في بيروت مع الاستعدادِ للاستشاراتِ النيابية المُلْزِمة يوم الاثنين لتسمية المرشح الأوفر حظاً (والوحيد) حتى الآن المهندس سمير الخطيب، رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة العتيدة.
ويحظى الخطيب «الرئيسُ الافتراضي» بدعْمٍ قوي من تَحالُف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي (حركة «أمل» و«حزب الله»)، كما بدعْمٍ «اضطراري» من رئيس الحكومة المستقيلة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، ما يتيح له نظرياً الفوز وبغالبية مريحة بالأكثرية المطلوبة لتكليفه.
ورغم المعلومات عن استمرار «صراعٍ مكتوم» حول بعض الحقائب، فإنّ المفارقةَ «المدويةَ» كانت في إنجاز تَحالُف عون - الثنائي الشيعي تشكيلةَ الحكومة العتيدة قبل تسمية رئيسها، وهي بدت شبيهةً إلى حدّ بعيد بالحكومة التي أَسْقَطَها الشارعُ وفَقَدَتْ صدقيّتَها أمام المجتمع الدولي.
وثمة مَن يعتقد في بيروت أن مجيء حكومةٍ مُسْتَنْسَخَةٍ عن تلك التي عجزتْ عن إجراء إصلاحاتٍ لتسييل أكثر من 11 مليار دولار خصّصها مؤتمر «سيدر» للبنان، لن تكون قادرةً عبر لعبة معاودة «ترتيب الكراسي» على تجنيب البلاد المصير المُشابِه لـ«تايتنيك» ومآسيها.
وتتزايد مَظاهرُ الغرقِ اللبناني في بحرِ الأزمات الكارثية عبر الكوابيس اليومية الناجمة عن الانهيار المالي - الاقتصادي، والفواجع المعيشية - الاجتماعية المُتَدَحْرِجة، وسط تقارير لا تُخْفي الخشيةَ من «خرابٍ كبيرٍ» خلال أشهرٍ معدودة في حال استمرّت السلطةُ في محاولة إعادة تدوير خياراتها، الأمر الذي يهدّد لبنان بفقدان آخر الكوابح امام السقوط.
وتفسّر هذه «الخلاصات السوداوية» السيناريوهات الغامضة حيال مصير الملف الحكومي وما قد تؤول إليه حركةُ المشاوراتِ في الكواليس قبل الاستشاراتِ وما قد ينطوي عليه «الاثنين الطويل» من مفاجآتٍ مكتومة أو مفاجآت قد لا تكون في الحسبان.
فقبل 3 أيام، تَحْكُمُها «الأعصابُ المشدودة»، في الطريق إلى استشاراتِ التكليف التي تضمن فوزاً محسوماً للخطيب، رسمتْ دوائرُ مهتمة لوحةً من الاحتمالات التي غلبتْ عليها الشكوكُ في إمكان نجاحه في تأليف الحكومة الجديدة، ومن تلك الاحتمالات:
* صحوةُ الانتفاضة الشعبية من جديد، هي التي كانت أسقطت الحكومة باستقالة الحريري وأقفلتْ الطريق على مرشحين لم يرَ فيهم الشارع خياراً يُلاقي الثورة ومطالبها، كالوزير السابق محمد الصفدي والوزير السابق بهيج طبارة، وهو الأمر الذي قد يتكرّر مع الخطيب بعدما انكشفتْ ملامح الحكومة التي يعتزم تشكيلها، وهي حكومة ممسوكة من الائتلاف الحاكم وبتوازنات الانتخابات النيابية، ولا تُحاكي مطالب الانتفاضة ومشكوكٌ في قدرتها على بعث رسالةِ ثقة للخارج كما الداخل، وتالياً من غير المستبعد وفق هذا السيناريو أن تسقط فرصة الخطيب على الطريق قبل بلوغ عتبة التكليف.
* إمكان أن تعترضَ الخطيب مشكلةُ لا يُستهان بها برزتْ ملامحُها مع تأييد «رفْع العتب» من الحريري واعتراض رؤساء الحكومة السابقين (نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام)، ونأي دار الفتوى بنفسها، وهو ما يحرمه من الغطاء التمثيلي (للسنّة)، الأمر الذي قد يحول دون قدرته على المضي في مهمته، رغم ضمان فوزه في التكليف. ولم تكن عابرة دعوةُ الوزير السابق والنائب الحالي نهاد المشنوق دار الفتوى إلى عقد اجتماعٍ لـ«السنّة المُنْتَخَبين» لـ«التشاور والتفاهم واعتماد المعايير التي وضعها الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة ومناقشتها بشكل جدي واعتماد هذه المعايير للتشكيل».
* عدم استبعاد ذهاب الكتل البرلمانية إلى استشاراتِ الاثنين بـ«سيناريو ديموقراطي» يشكّل ثمرةً لتفاهماتٍ ضمنية خلال الساعات المقبلة ويدْفعها الثنائي الشيعي من الخلْف وتُفْضي إلى إخراجِ الخطيب من السباق عبر حرمانه الغالبية التي يحتاجها، وتالياً إرجاء الاستشارات والعودة إلى مساعي تعويم خيار الحريري الذي ما انفكّ «حزب الله» عن التمسّك به نتيجة إدراكه الحاجة إلى حكومةٍ قادرة على إدارة الأزمة الكبرى وغير المسبوقة في البلاد، وعلى طمأنة الخارج الذي يتطلّع إليه لبنان لضخّ مساعداتٍ وأموال لتمكينه من «النجاة» التي تتطلّب ما يشبه المعجزة.
وثمة إشاراتٌ بدأت تدور همْساً في الغرف المغلقة عن أن تحالف عون - الثنائي الشيعي أبدى انفتاحاً على جانبٍ من شروط الحريري لملاقاته في منتصف الطريق، كطمأنته إلى إمكان تقديم أسماء غير مستفزة لأي حكومة تكنو - سياسية يمكن أن يترأسها، وهو ما يفترض أن يجعل الحريري تالياً يحدّ من شروطه ومنها التمسك بحكومة خالصة من الاختصاصيين المستقلين.
وإذ أرجأت «كتلة المستقبل» اجتماعاً كان سيُعقد أمس لتحديد الموقف النهائي من استشارات التكليف على أن يحصل عشية «الاثنين المفصلي»، أكد عون أمام زواره أن «أولويات الحكومة العتيدة ستكون بتحقيق الاصلاحات الضرورية في مختلف القطاعات واستكمال عملية مكافحة الفساد وتصحيح الاعوجاج والخلل في عمل ادارات الدولة ومؤسساتها».