لم يكن عباس فواز اطمأنّ إلى كسْبه معركةَ كفاحِه الطويل من أجل وحدة لبنان المغترب حتى وَجَدَ نفسَه أمام تحدٍّ جديد وغير مسبوق يفْرضه ما حلّ بـ«لبنان المقيم» مع انفجارِ حراكٍ شعبي منذ نحو خمسين يوماً وَضَعَ البلادَ أمام امتحانٍ تاريخي.
فالرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز، الذي انتُخب أخيراً وبالتزكية، نَجَحَ في معاودة تكريس وحدة الجامعة التي كانت أصابتها شظايا حرب الـ15 عاماً في لبنان (1975 - 1990) وهو يجْهد الآن في العمل على تحويل الاغتراب إلى «لوبي لبناني» يمكن أن يكون الأهمّ في العالم.
وفي اللحظة التي اطمأنّ فواز إلى أن جهوده الوحدوية في مسار تفعيل مؤسسة الجامعة ودورها صارتْ في الأمتار الأخيرة، دَهَمَه، كسواه من اللبنانيين القلقُ على «الوطن الأم» الذي يواجه واحدةً من أسوأ الأزمات المالية - الاقتصادية في تاريخه، وخصوصاً أن الاغتراب لم يكن يوماً في غُرْبةٍ عما يحدث في لبنان.
صحيح أن الحاج عباس هو رئيس «لبنان المغترب»، لكن اهتمامَه لم ينقطع يوماً بـ«لبنان المقيم» ولسان حاله «إن الجامعة الثقافية في العالم تعنى، كجمعية لا سياسية ولا عنصرية ولا طائفية، بالشؤون الوطنية والاجتماعية والتنموية وفي شتى قضايا الناس، مغتربين ومقيمين على حدٍ سواء».
هذا الهم الوطني الذي يسكن عقل رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، كما قلْبه، جَعَلَهُ يقرأ في الحراك الشعبي الذي يعيشه لبنان منذ 17 اكتوبر، دلالتين هما:
• في هذا الحِراك مَن هم أهل خيرٍ وثقةٍ وحرص على لبنان وشعبه، ويعملون تالياً من أجل التغيير والنهوض الوطني بعد الخيْبة من تجارب السياسيين في فترات ماضية. ونحن نشدّ على أيدي هؤلاء في مَطالبهم بمحاكمة الفاسدين، إضافة إلى الحاجة لتحديث القوانين وتطويرها.
• في الحراك أيضاً ثمة مَن يحاول أخْذه إلى حساباته، وهم مِن السياسيين الذين مارسوا السياسة على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، وبدا أنهم أَدْخلوا «طوابيرهم» للتحريض على الفتنة واستخدام الأساليب غير السلمية، وطبعاً نحن ضدّ هؤلاء وممارساتهم لما تنطوي عليه من خطر حرْف الحِراك عن أهدافه المطلبية وعن سلميّته وحضاريته.
فواز، الذي كان في عمر 13 حين أَمْسَكَ بيد والده الحاج عبد اللطيف وأبحرا في مغامرةٍ اسمها الهجرة، من الغسانية في جنوب لبنان إلى أبيدجان في أفريقيا، يدرك تماماً أهمية أن يكون في لبنان «دولة ومؤسسات» رغم الحاجة الدائمة لتطويرها، وهو إذ يطالب الدولة بـ«أن تعي مسؤولياتها في هذه المرحلة البالغة الحساسية وتُسارِع للاستجابة لمطالب الحِراك المحقة»، يحضّ الحراك وبالإلحاح عيْنه على «حفْظ الدولة ومؤسساتها وعدم تعطيلها تَجَنُّباً للفوضى».
ورغم أن «الرئيس» فواز خاضَ تجربةً ناجحة في دنيا الاغتراب بعدما شقّ طريقَه بعناءٍ وعنادٍ حين كان يعمل في النهار ويدْرس في الليل، فإن الغربة كانت تزيده وعلى الدوام ارتباطاً بوطنه وبـ«جنوبه» وبأهله، وربما هذا ما يعكسه تحذيره الصارم من «اقتياد البلاد إلى دولة فاشلة»، منبّهاً من أن «أي محاولاتٍ لشلّ الدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية بداعي تأسيس دولة جديدة لن تكون نتيجتُها سوى المزيد من الفقر والفوضى»، معتبراً «أن الحل هو بالتغيير من داخل المؤسسات وليس على أنقاضها».
ولأن لبنان يعاني خطر الانهيار الاقتصادي - المالي الذي لاحت مَظاهِرُه من خلال شحّ الدولار والإجراءات القاسية للمصارف، فإن فواز، الذي كان حازَ على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة يورك في الولايات المتحدة بـ«المُراسَلة» وخاض تجارب ناجحة في ميدان الأعمال في بلاد الاغتراب، ينظر بقلق لما تواجهه بلاده من تحديات خطرة «فالوضع الاقتصادي سيئ وثمة أزمات في السيولة والمديونية والتجارة الخارجية، وفي الصناعة والسياحة، وهي أوضاع لم نرَ مثيلاً لها في تاريخ لبنان، وتؤثر على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية».
وما من حل في رأي الحاج عباس سوى «المسارعة لتشكيل حكومةٍ جديدة ومعاودة صون المؤسسات الاقتصادية وإطلاقها عبر الإفادة من مخصصات مؤتمر سيدر وسواه، والعمل على ضخّ أموال جديدة لتمكين المصارف من التعامل مع الناس في شكل طبيعي»، مناشداً الجميع «تحمّل مسؤولياته في هذه المرحلة الخطرة، فالبلاد تحتاج رجالاتها الوطنيين وإلى رجال دولة يتحمّلون مسؤولية الإنقاذ».
ولإظهار حرص الاغتراب على الانخراط في عملية الإنقاذ واستعداده لمؤازرة «الوطن الأم»، استحضر «الرئيس» ما حصل في الفترة الممتدة بين 1900 و1930، أي خلال المجاعة التي ضربت لبنان إبان الحرب العالمية الأولى، حين هاجَر ثلث سكان لبنان البالغ عددهم نحو 300 ألف نسمة، والثلث الثاني مات بالحروب والمجاعة خلال 30 عاماً وبقي الثلث الثالث، موضحاً أن «الثلث المهاجر عاد إلى لبنان مع تكوين الدولة اللبنانية في 1943 وأعاد معه الأموال التي جناها في الخارج، وهو لم يأتِ بها عملات أجنبية بل ذهباً، ما ساهم في إطلاق ورشة اقتصادية كان لها الفضل في تكوين الطبقة الوسطى (...) نحن المغتربين لا ننسى دورنا في الماضي ولن نتوقف عن ضخّ إمكاناتنا لإنهاض الاقتصاد اللبناني وإعادته إلى سابق عهده من الإزدهار». ورغم مضي نحو 60 عاماً على إنشاء الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، فإنها استمرّت «بلا ملل أو كلل» في قيادة الحركة الاغترابية، وهو ما يحلو لرئيسها الحالي عباس فواز الحديث عنه فـ«الجامعة نجحت في إرساء علاقات جيدة مع شعوب الدول المضيفة وحكوماتها، وكانت إبان الحرب التي عصفتْ بلبنان بين 1975 و 1990 العينَ الساهرةَ على أوضاع اللبنانيين المغتربين، وشكّلت على الدوام المنبر الرسمي المعترف به دولياً كممثل شرعي وحيد للاغتراب اللبناني».
ويحرص ابن جنوب لبنان على القول إن «بالإمكان أن يكون الاغتراب اللبناني أهمّ لوبي في العالم لو حظي برعاية الدولة اللبنانية ودعْمها. عندنا لبنانيون، مواطنون أو متحدّرون من أصل لبناني، وقد تبوأوا مناصب رؤساء حاليين وسابقين، ووزراء ونواب حاليين وسابقين وحكّام مصارف ورؤساء مؤسسات مالية وإعلامية وأدبية وثقافية... الاغتراب ثروة بشرية هائلة تفوق في مكانتها ما تتمتّع به دولٌ كبرى على هذا المستوى».
ويختم فواز بأنه «في أشدّ الصعوبات حافظنا على وحدة الجامعة اللبنانية الثقافية التي تعرّضت منذ التسعينات للانقسامات، الى أن بدأنا قبل نحو شهرين بورشة عمل، وكان البند الأول على جدول أعمالنا دائماً إعادة توحيد الجامعة. وبرنامج العمل الذي أُقرّ في المؤتمر الثامن عشر في بيروت كانت النقطة الأولى فيه وحدة الجامعة. ويمكن القول إننا اصبحنا الآن جامعة واحدة، وما زال هناك تفاوض مع قسم صغير يشكّل نحو 15 في المئة، وهؤلاء موجودون في أميركا الشمالية واستراليا، علماً أن معنا قسماً كبيراً من مغتربي أميركا الشمالية وكندا والولايات المتحدة والمكسيك وأميركا اللاتينية».