نسمات

ماذا نكتب؟!

1 يناير 1970 07:33 م

هل تذكرون القصة الرمزية التي تتحدث عن رجل أخبروه بأن مدينته تحترق، والواجب أن تهرب قبل أن تصله النار، فقال: وما يهمني ما دام الحي الذي أسكن فيه لم تصل إليه النار؟!
ثم أخبروه أن الحي الذي تسكن فيه يحترق فانجُ بنفسك من النار، فقال: وما يهمني ما دام بيتي لم تمسه النار؟! بعدها أخبروه أن بيتك قد وصلت إليه النار فأسقط في يده ولم يستطع النجاة!
صديق عزيز في المسجد لا تفوته صلاة الجماعة التقيته بعد صلاة الجمعة، فخاطبني بأسلوبه المرح المعتاد: لماذا لا تتكلم في مقالاتك عن مشاكلنا الداخلية بدلاً من الحديث عن فلسطين؟! ثم أردف قائلاً: إنهم لا يحبوننا ولا نحبهم! قلت له: قضية فلسطين هي قضيتنا الأولى ولا دخل لها بمن نحبهم أو لا نحبهم، ثم دار بيننا حوار شيق حول أولويات الكتابة!
في حقيقة الأمر إن الكتابة الصحافية هي من أصعب الأمور لا سيما من خلال صحيفة تعتبر من الأكثر انتشاراً، فالكاتب يخاطب جميع فئات المجتمع ولكل منها متطلباتها ورغباتها التي تود أن تقرأ عنها، بينما هنالك أمور لا تحبها ولا ترغب في القراءة عنها، والكاتب مهما بذل من جهد لا يستطيع إرضاء جميع أذواق القراء أو الحديث عن همومهم ومشاكلهم، ولكن تعدد الكتاب وتعدد وجهات النظر المطروحة تستطيع أن تفي بحاجة القارئ النهم إلى ما يريده من معلومات!
دعوني أوضح بعض النقاط التي أثارها صديقي العزيز:
أولاً: نحن لا نمتنع من الكتابة عن الشأن المحلي بل هو الأهم ولكن لا يمكن أن تقتصر كتابتنا على ذلك الشأن، مهما كان لأن مشاكلنا وهمومنا أكبر من ذلك، فنحن نرى العالم من حولنا يحترق والناس تتساءل: ماذا يرجى من حولنا وما هو الحل لمشاكلنا؟!
ثانياً: تكاد تكون أسباب المشاكل واحدة في جميع بلداننا وهي بسبب الفوضى السياسية وطغيان المصالح وفساد الطبقة الحاكمة، وهي مشاكل يؤثر بعضها على بعض، وإن لم يتم معالجتها فستصل النار إلى بيوتنا لا محالة وسنندم على اللا مبالاة بها!
ثالثاً: إن قضية فلسطين هي قضيتنا الأولى ولا شك، وعندما أهملناها وسلمنا أمرنا للصهاينة اليهود وقبلنا بالأمر الواقع، لم يزدهم ذلك إلا طمعاً وجرأة علينا حتى وصلوا إلى بقية بلداننا ليفسدوا ويبثوا فيها الفتن!
ربعاً: أشار العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - إلى ضعف حديث: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) ولكنه قال بأن معناه صحيح، ويغنى عنه حديث: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، ومن غير المعقول أن نلوم من يكتب عن واقعنا ويشخص مشاكلنا بحجة ضرورة الاهتمام بالشأن الداخلي فقط، فالكويت ولله الحمد مشاكلها لا يمكن مقارنتها ببقية الدول الأخرى، وواجبها تجاه إخوانها كبير جداً، ولذلك فقد اكتسب أميرها لقب (أمير الانسانية) عن استحقاق!
مجازر لفض التظاهرات
استيقظت قبل ثلاث ليالي من النوم، ولم أستطع إكمال نومتي، فنزلت إلى غرفة المعيشة وأخذت أقلب قنوات التلفزيون، فلفت نظري خبر مقتل 35 متظاهراً في مدينة الناصرية العراق، وذلك بالرصاص الحي والرصاص المطاطي، فهل يمكن تسمية ذلك فضاً للاشتباكات أم مجازر يرتكبها النظام العراقي بحق شعبه؟!
استطاع العراقيون إجبار رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي على تقديم استقالته، ولكن نحن نعلم أن السبب الحقيقي وراء عدم استقالته هو الضغط الإيراني على الحكومة، ومنع عبدالمهدي من تقديم استقالته واستخدام أسلوب القمع المفرط على الشعب العراقي كما يفعلون في ايران، لكن الشعب العراقي الذي خرج من قمقمه الذي وضعته فيه إيران ازداد إصراراً على ثورته ضد الفساد، ولا نستبعد قيام حرب أهلية إذا استمر ذلك القمع الذي قد يدمر العراق!