أقيم في المقهى الثقافي - ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرض الكويت الدولي للكتاب الـ44 - محاضرة عنوانها «مستقبل الترجمة... مستقبل أمة»، حاضر فيها عميد كلية اللغات والترجمة من جامعة بدر في القاهرة الأستاذ الدكتور حسين محمود، وأدارها الكاتب شريف صالح.
وقال محمود في ورقته البحثية: «هل يمكن الحديث عن مستقبل الترجمة الآن، وقد قربت التكنولوجيا المسافات وقلصت الفوارق اللغوية بين أمم العالم؟ هل يلعب غوغل ترانسيليت دوراً رئيساً في نهضة الأمم؟ هذان سؤالان كبيران، وكثيراً ما وجدت نفسي أفكر فيهما وأنا أنظر إلى مستقبل النهضة في الأمة العربية، ذلك أن الترجمة والنهضة بينهما تلازم لا تخطئه العين، ونحن بعد بعيدون عن النهضة، وهو ما يفضي في النهاية إلى أننا بعيدون عن تناول قضية الترجمة بما يليق بها من أهمية».
وأضاف محمود: «أستطيع أن أقرر بسهولة أن الترجمة اليوم، في العالم العربي كله، إلا في حالات قليلة للغاية، لم تستفد من التقدم المذهل في عالم الترجمة، ومن الابتكارات البعيدة عن الخيال في تكنولوجيا اللغة. وهكذا أجد واجباً أن أعرض الإمكانيات الضخمة التي يطرحها علم الترجمة، وتكنولوجيا اللغة، إذا كنا جادين في جهودنا لإنهاض الأمة لمواجهة المستقبل».
وذكر محمود إلى مقولة حاتم باسل في كتابه «تدريس الترجمة والبحث العلمي فيها» حيث قال: إن الترجمة مثل بيت به غرف متعددة، ويقصد من وراء هذا التعبير المجازي أنه ليست هناك نظرية واحدة يمكن الأخذ بها عند تدريس الترجمة أو البحث فيها، وإنما هناك نظريات متعددة، ولذا من الأصح أن نقول إن هناك مداخل متعددة للبحث في الترجمة. مؤكداً أن المشاركة الحديثة بين علمي الترجمة والحاسب الآلي سيكون لها التأثير الأكبر على مستقبل الترجمة، وعلى مستقبل الأمة.
وأشار المحاضر إلى أهم تطبيقين أثرا على عملية الترجمة في العقدين الأخيرين أولهما ما يسمى «أدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب» أو «Cat tools» والثاني هو الترجمة الآلية أو machine translation.
وقال محمود عن الترجمة الآلية: «كانت لها نظرية قديمة عملت بها وفشلت، وكانت تعتمد على تحميل برنامج الترجمة بمجموعة ضخمة من القواميس ثنائية اللغة، ويمكن اختيار قواميس متخصصة، إلى جانب مجموعة واسعة من قواعد اللغة مرتبة في داتا بيز تسهل الاستعانة بها. وبالطبع كانت النتائج مزعجة في النصوص غير المباشرة، وفي تنافر السياقات. أما النظرية الثانية والتي حققت بعض النتائج المهمة فهي تكوين داتا بيز من ذاكرات المترجمين وحفظها في سيرفز الترجمة الآلية، واستدعاء المتشابة حتى نسبة 75 في المئة، وفي هذه النظرية تتعلم الآلة من الجهد البشري للمترجمين، وحققت هذه الطريقة نجاحاً مبهراً، ومثيراً للاضطراب في أحيان أخرى، خصوصاً إذا استدعت الترجمة الآلية جملاً أو أجواء من جمل مختلفة في سياقها رغم التشابة اللفظي، أو تدخل على النص المترجم مفاهيم لم تكن موجودة في الأصل».
وأوضح محمود أن الترجمة بمساعدة أدوات «كات تولز» وفّرت من وقت وجهد المترجمين حوالي 40 في المئة، وإن تطلبت تحويل النصوص إلى نسخ رقمية، وهو أمر أصبح سهلاً بواسطة البرامج المتقدمة في التعرف على حروف النص في الصورة، فأصبح من السهل تحويل أي نص بتصويره أولا ثم تحويله إلى صيغة نصية قابلة للعمل بمستندات البرامج المساعدة على الترجمة، وقد تطورت هذه البرامج تطوراً كبيراً، حتى أصبحت تتعرف حتى على الخطوط اليدوية.
وتطرق محمود إلى الاتجاه الحالي في الدراسات اللغوية خصوصاً في ما يتعلق منها بالترجمة، وهو ضرورة الاهتمام أساساً بتحرير النصوص، مع ترك مهمة الترجمة للآلة.
وبيّن في حديثه أن هذه المسيرة التي سارت فيها دراسات الترجمة ممتدة منذ تسعينات القرن الماضي، وتسارعت بفضل التطور غير المحدود في الدراسات الثقافية والدراسات البينية التي يأخذها الغرب على محمل الجد، بينما ما زلنا في عالمنا العربي لا نفعلها بالقدر الكافي، رغم أهميتها القوية لمستقبل الأمة ونهضتها. وقال: «لنا في تجربة الاتحاد الأوروبي وأميركا في هذا الصدد دليل، فالاتحاد الأوروبي أصدر في مطلع الألفية الثالثة مستويات قياسية للمعرفة اللغوية تعرف باسم (سفر)، والهدف منها توحيد مستويات التعليم والتعلم لدى الدول الأعضاء نحو 27 دولة بسبع وعشرين لغة مختلفة، ما أدى إلى سهولة تطوير أدوات الترجمة».