عشية الأسبوع الذي تدْخل فيه الانتفاضةُ الشعبية في لبنان شهرَها الثاني، بدا أن «ساعةَ الحقيقة» اقتربتْ في ما خص مآل المنعطف الأخطر الذي تمرّ به البلاد منذ ما قبل حرب 1975، بفعل تَشابُك «فتائل» الشارع الذي لا يستكين، والمأزق الحكومي الذي لا يشي بأنه يقف على أبواب حلّ يسمح باحتواء الثورة عبر الاستجابة لمطلبها الرئيسي بقيام حكومة اختصاصيين مستقلّة تمهّد لانتخاباتٍ مبكرة، فيما «عوارض» الأزمة المالية - الاقتصادية تتمدّد إلى الواقع المصرفي والنقدي وإلى «البنية الاستراتيجية» ليوميات المواطنين.
وفيما أكدت «ثورة 17 أكتوبر» في «أحد الإصرار»، أنها ما زالتْ في «أحلى حال» وسط استعادة الساحات في مختلف المناطق «هديرَها» مستفيدةً من التلكؤ عن إطلاق مسار تشكيل الحكومة الجديدة بدءاً من تكليف رئيس للوزراء بموجب استشارات نيابية مُلْزمة، برزتْ مؤشراتٌ إلى أن محاولةَ توفير «هبوطٍ آمَن» للأزمة المعقّدة على قاعدة حلٍّ يتولى معه رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري إدارةَ مرحلةِ الخروج من قعر الحفرة باتت أمام مفترق.
وتشير أوساط سياسية إلى أن الساعات المقبلة تبدو حاسمة لجهة تثبيت «الخيط الأبيض من الأسود» في مسار المساعي لإقناع الحريري بمعاودة تكليفه، بعدما أظهر لقاء الأخير (ليل السبت) مع كل من الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل (موفديْن من الرئيس نبيه بري والحزب) إصرارَ زعيم «تيار المستقبل» حتى الساعة على رفْض قيادة «مركب الهروب إلى الأمام» عبر ترؤس حكومةٍ تكنو - سياسية وتَمَسُّكه بخيار حكومة التكنوقراط، وسط معلوماتٍ عن لقاء آخَر يفترض أن يكون عُقد ليل أمس بينه وبين «الخليليْن» في سياق محاولة حضّه على تبديل رأيه.
واعتبرت الأوساط أنه عشية دخول استقالة الحريري أسبوعها الثالث من دون أن يلوح في الأفق أي مَخْرج توافقي بين أطراف السلطة وبما يلقى قبولاً من الشارع المنتفض، يسود انطباعٌ بأنّ ثبات الحريري على موقفه من شكل الحكومة ورفْضه ترؤس «حكومة الآخَرين» التي سيكون فيها «مكشوفاً سياسياً» - بعدما «قفزَ» كل من «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط) من مركب أي تشكيلةٍ لا تحاكي تطلعات الشارع - سينقل الأزمة إلى المرحلة التالية التي تقوم على الأرجح على مراوحةٍ في دائرة «لا تكليف ولا تأليف».
وفي رأي الأوساط أن عدم إبداء الحريري مرونةً تجاه إصرار «حزب الله» على تكليفه بشروطه، سيضع الحزب ومعه فريق رئيس الجمهورية ميشال عون أمام مشكلة صعوبة إيجاد شخصية سنية أخرى تقبل بأن تكون في «فوهة المدفع» ولو لحكومة تكنو - سياسية، ناهيك عن استبعاد أن يلجأ «حزب الله» إلى خيار حكومة اللون الواحد سياسياً وما ستعنيه من جعْله وجهاً لوجه أمام المجتمعيْن العربي والدولي في لحظةٍ بالغة الدقة إقليمياً وفي غمرة ترقُّب اشتدادِ «عصْف» العقوبات الأميركية عليه وعلى حلفاء له في لبنان.
وترى هذه الأوساط أن شعار «الحريري رئيساً للحكومة أو لا حكومة» قد يشكّل ولو لفترةٍ عنوان المرحلة المقبلة بالنسبة الى «حزب الله»، بما يسمح بمزيد من «قياس» الخطوات التالية انطلاقاً مما يعتبره الحزب هجمةَ خارجية يتعرّض لها من خلال الحِراك الشعبي، وهو ما عبّر عنه عدد من نوابه وصولاً إلى تحذير رئيس كتلته البرلمانية محمد رعد من أن يتسلّل إلى تحرّك مَن يريدون التغيير ومكافحة الفساد «مَن يأخذهم إلى مسارٍ يقود البلد إلى ما يريده العدو (...) ليبتزّنا بأمننا واستقرارنا وليغيّر المعادلات التي فرضتْها المقاومة».
وإذ يجري رصدٌ للكلمة التي يلقيها اليوم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لجهة تحديد مسار الأزمة الحكومية ومآل مجمل الواقع اللبناني وسط ملاحظةِ الأوساط عيْنها ازديادَ ملامح الارتباط بين الوضعيْن في «بلاد الأرز» و«بلاد ما بين النهرين»، يستمرّ في بيروت رصْدُ تأثير الاجتماع الذي عُقد في القصر الجمهوري السبت وخُصّص لمتابعة الوضع المالي والنقدي لجهة لجْم حال «الهلع» الكبير التي سادت القطاع المصرفي يوم الجمعة، وإن كان غياب الحريري عن هذا الاجتماع في ضوء عدم دعوته إليه استحوذ على اهتمامٍ وسط اعتبار الأمر في إطار «رسالة سلبية» من عون في اتجاهه قد تكون مرتبطة أيضاً بمسار التكليف.
وفي حين يعقد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم، مؤتمراً صحافياً للحديث عن مجمل الواقع المالي والنقدي والمصرفي في محاولةٍ لتهدئة المخاوف التي فاقمتْها القيود التي فرضتْها المصارف على المودعين والتجار (سحب الدولار خصوصاً وتحويله إلى الخارج)، يجري تَرقُّب طبيعة الإجراءات التي سيتم اتخاذها بعد معاودة البنوك عملها غداً مبدئياً وسط ملاحظة دوائر متابعة أن «المركزي» حرص على نفي ما يتمّ تداوله عن أنه سيعمد إلى ضخّ سيولة في الأسواق لتلبية حاجات المودعين، وذلك في ما بدا امتداداً لما جرى التداول به عن تباينات بينه وبين جمعية المصارف حيال هذه النقطة في ظل حرص «المركزي» على تفادي جرّه إلى استنزاف احتياطاته.
وإذ لم تُعرف طبيعة الخطوات التي ستتخذها المصارف لتأمين السيولة لصغار المودعين وضمان عدم دخول البلاد في أزمات معيشية بحال عدم بتّ التباينات حيال تطبيق آلية تمويل استيراد مواد «استراتيجية» (القمح المحروقات والأدوية)، يُنتظر أن يتضح اليوم إذا كانت نقابة موظفي المصارف ستعلن الإضراب غداً احتجاجاً على اعتداءات تعرّض لها موظفون من زبائن غاضبين (الجمعة)، علماً أن اتجاهاً برز أمس لدى المنتفضين في الساحات لإعلان الثلاثاء يوماً لإضراب عام مواكبةً للجلسة التشريعية للبرلمان ولمنع انعقادها احتجاجاً على بنودٍ اعتُبرت «تهريبة» وأبرزها اقتراح قانون معجل مكرر بالعفو العام، أكد الثوار أنه يشمل جرائم استغلال النفوذ والوظيفة والإهمال وتبديد الأموال العامة والجرائم البيئية بما يشبه «العفو الذاتي» من السلطة لنفسها استباقاً لنجاح الانتفاضة في فرض مطلب محاسبة الفاسدين عبر محكمة مستقلة.
علماً أن ساحة رياض الصلح شهدت أمس «بروفة» في هذا الإطار عبر «محكمة الثورة» التي كانت عبارة عن مسرحية للحلم بمحاكمة مَن سرقوا المال العام.