ترامب في مأزق... وأقلية صغيرة في مجلس الشيوخ تحفظ له الرئاسة

1 يناير 1970 01:19 ص

بدأت الأرض تهتز تحت أقدام الرئيس دونالد ترامب، بعدما فجّر السفير السابق إلى أوكرانيا قنبلة سياسية بتقديمه رواية مفصّلة لقيام الرئيس الأميركي بربط المساعدات العسكرية الأميركية إلى أوكرانيا، فضلاً عن لقاء قمة مع نظيره الأوكراني، بقيام الأخير بالإدلاء بتصريح يعلن فيه أن كييف باشرت التحقيقات في شركة باريزما، التي كان هنتر ابن نائب الرئيس السابق والمرشح المنافس للرئاسة جو بايدن، يشغل منصب عضو في مجلس إدارتها.
ويحظّر القانون الأميركي على أي رئيس أو مسؤول حكومي استخدام موارد الدولة لغايات خاصة. ويعتبر الديموقراطيون جريمة قيام ترامب بتهديد أوكرانيا بتعليق مساعدات أميركية عسكرية ما لم تحقق في نشاطات ابن منافسه للرئاسة، وهو ما يؤذي بايدن ويعود بالمنفعة السياسية على ترامب.
وبدأت فضيحة أوكرانيا مع قيام مسؤول في «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) بتوجيه رسالة إلى المفتش العام في الوكالة، الذي يعمل بإمرة الكونغرس، أشار فيها إلى احتمال قيام ترامب بتجاوزات قانونية في مكالمة هاتفية مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينكسي. وبعد التدقيق، رأى المفتش العام، الذي سبق أن عينه ترامب نفسه، ان الشكوى صحيحة، وأرسلها إلى الكونغرس.
وخوفا من الفضيحة، سارع ترامب إلى نشر نص الحديث الهاتفي، ليتبين ان الشكوى صحيحة، وهو ما دفع الغالبية الديموقراطية في الكونغرس إلى إعلان مباشرة التحقيقات التي قد تؤدي إلى التصويت على خلع الرئيس. وعملية الخلع في الكونغرس هي بمثابة ادعاء عام ضد الرئيس، الذي يتمتع بحصانة تمنع محاكمته اثناء ولايته. وفي حال صوت الكونغرس على الخلع، يتحول مجلس الشيوخ إلى هيئة محلفين وينعقد في جلسة محاكمة يترأسها قضاة المحكمة الفيديرالية العليا.
ولأن هيئة المحلفين تتخذ قراراتها عادة بالتصويت، يصبح المطلوب لإصدار حكم ضد ترامب، وتالياً إخراجه من الحكم، تصويت غالبية ثلثين، أي 67 سناتورا. لكن عدد الديموقراطيين في مجلس الشيوخ 48 فقط، وهو ما يتطلب تصويت 19 سناتوراً جمهورياً إلى جانبهم للإطاحة بالرئيس الأميركي. على أن ترامب يتمتع بحائط دفاعي في مجلس الشيوخ يتألف من 36 عضواً، أي أن المطلوب انتزاع ثلاثة من هؤلاء حتى يسقط الرئيس.
حتى الآن، يبدو حائط ترامب الدفاعي متماسكا، لكن المفاجآت واردة، خصوصا مع تواتر الإفادات الدامغة التي تؤكد أن ترامب هو نفسه الذي خطط وأمر بتهديد أوكرانيا ما لم تقدم له تلفيقات ضد خصمه السياسي بايدن. واللافت أن ممن ادلوا بإفاداتهم ثلاثة ممن عينهم ترامب هم، إلى السفير السابق بيل تايلور، مسؤولة ملف روسيا السابقة في مجلس الأمن القومي فيونا هيل، وسفير أميركا لدى الاتحاد الأوروبي ديفيد سودنلاند. وهؤلاء ادلوا بشهاداتهم في جلسات مغلقة أمام لجان الكونغرس، على الرغم من إعلان البيت الأبيض ووزارة الخارجية عدم التعاون مع تحقيقات الكونغرس.
وزاد في الطين بلّة قيام قاض فيديرالي بإصدار حكم يجبر وزارة الخارجية على تزويد الكونغرس، في مهلة 30 يوما، بكل المراسلات بين وزير الخارجية مايك بومبيو ومحامي ترامب الخاص رودي جولياني.
وحتى الآن، صار معلوماً أن ترامب قام بعزل السفيرة الأميركية السابقة في أوكرانيا ماري يوفانوفيتش واستبدالها بمن كان يعتقده من المحسوبين عليه، أي تايلور، وأنه فتح قناة بعيدة عن أعين الديبلوماسيين الأميركيين ووزارة الخارجية، شارك فيها سودنلاند، ووزير الطاقة المستقيل ريك بيري، وجولياني. وراح الثلاثة يمارسون الضغط على رئيس أوكرانيا لتلفيق التهم بحق بايدن.
وأمام توالي الشهادات الدامغة المدينة بحق ترامب من جمهوريين عاملين في الإدارة، ومع قيام بعض الجمهوريين الآخرين بإدانة تصرفات الرئيس، لجأ ترامب إلى أسلوبه المعروف بشتم خصومه، فوصف هؤلاء الجمهوريين في تغريدة على أنهم «حثالة البشر»، وراح يطعن في دوافعهم ويصفهم بـ«المعادين لترامب».
ونجح ترامب في تحريض نحو 40 عضوا في الكونغرس من الجمهوريين، فدخل هؤلاء على لجنة الاستخبارات أثناء قيامها بالاستماع لمساعدة وزير الدفاع لورا كوبر عن تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وعرقلوا الجلسة بداعي أن الديموقراطيين لا يدعونهم إلى الجلسات ولا يتشاركون معهم بالشهادات. وتبين فيما بعد أن 14 من الجمهوريين المعترضين هم في اللجان التي يتسنى لها الاطلاع على كل تفاصيل الشهادات والتحقيقات التي يجريها الكونغرس، وأن الخطوة الاستعراضية كانت بهدف إرضاء ترامب الذي يلوم الجمهوريين ويصفهم بالضعفاء. لكن خطوة الجمهوريين لم تنجح في وقف التحقيقات، بل هي ارتدت سلبا في السياسة عليهم أمام غالبية الرأي العام الأميركي.
وفي وقت لاحق، أشارت التقارير في واشنطن، إلى ان وزير العدل بيل بار، زار إيطاليا مرتين والتقى مسؤولي الاستخبارات فيها في محاولة منه للانتقام من التحقيقات التي طالت تواطؤ ترامب مع الروس في انتخابات 2016. وأثار التقرير المزيد من السخط، خصوصاً لدى الديموقراطيين، الذين اعتبروا أن ما تقوم به إدارة ترامب هو استغلال السلطة للانتقام من خصوم سياسيين وتحقيق مآرب شخصية.
ترامب في مأزق قد يؤدي للإطاحة به، في وقت يبدو أن وسائله المعتادة القاضية بالتحريض ومحاولة الطعن في شخص معارضيه، لا الرد على أقوالهم، لم تعد تجدي نفعاً بين الأميركيين. أما المتبقي الوحيد، فشعبية الثلث التي لا تزال ملتصقة بالرئيس الأميركي، ولا تزال تؤمن له ولاء 36 سناتوراً الذين لولاهم، لكان ترامب خرج من البيت الأبيض من أسابيع.