من بين مساوئ وسائل التواصل الاجتماعي أنها أفسحت مجالاً لـ«فوضى النشر» التي يستغلها غير المهنيين والمتربحون لبث مواد إعلامية مضللة عن اكتشاف علاجات أو أدوية جديدة ويبالغون في سرد فوائدها لأغراض تجارية أو ترويجية بحتة. فكيف يمكنك التمييز بين الموثوق والمغشوش في خضم تلك الفوضى؟
صحيح أن متابعة أخبار الاكتشافات الطبية عبر وسائل الإعلام هو أمر مهم لأنه يعزز ثقافتك الصحية بما يتيح لك معرفة أحدث التطورات سواء علاجيا أو وقائيا. ولكن عليك في أثناء قيامك بذلك أن تتوخي الحذر وأن تتأكد أولا من مدى مصداقية المادة الإعلامية التي بين يديك. ففي الفضاء الانترنتي المترامي الأطراف، تنتشر يومياً أخبار وتقارير عن الصحة والطب تفتقر إلى معايير ومتطلبات الموثوقية إما لأن المصدر الناشر لها غير متخصص أو غير مؤهل مهنيا، أو لأن الأولوية لديه ليس دقة المعلومة بل انتشار الخبر فقط واستقطابه لأكبر عدد من المشاهدات، أو – وهو الأخطر - هو أنه ربما كان هدفه الحقيقي هو الترويج تجاريا للدواء المزعوم تحت غطاء خبري.
لذا، نضع بين أيديكم في التالي طائفة من المعايير التي ينبغي أن تتوافر في المادة الإعلامية والخبرية الطبية، وهي المعايير التي من شأنها أن تساعدكم على تحديد الموثوق بين ما تطالعونه من أخبار وتقارير عن الجديد في مجال الأبحاث أو الاكتشافات أو الأدوية الطبية:
• عينة التجارب: لسبب أو لآخر قد يغفل التقرير الإخباري توضيح ما إذا كانت التجارب على الدواء الجديد قد أجريت على فئران أو حيوانات تجارب فقط. وهذا الإغفال خطير، حيث إن استجابة جسم الإنسان للأدوية تختلف عن استجابة أجسام الحيوانات. وهناك كثير من الأدوية التي نجحت لدى حيوانات التجارب، لكنها لم تحقق النتائج ذاتها لدى الإنسان وسببت أعراضاً جانبية شديدة كانت كفيلة بحظر استخدامها.
• الجهة الممولة والمسوقة: إذا كان الدواء الجديد ممولا من جهة غير موثوقة أو تروجه جهة غير معتمدة أصولاً، فهذا يعني أنه ينبغي على القارئ أن يتوخى الحذر من المحتوى الإعلامي.
• التأثيرات الجانبية: كي تصبح القصة الخبرية مشوقة وتجذب القراء، يتغاضى بعض الناشرين عن ذكر الأعراض والتأثيرات الجانبية المحتملة للدواء الجديد على الرغم من أن تلك الأعراض الجانبية قد تكون أكبر بكثير من التأثير العلاجي.
• التأثير الإحصائي والتأثير العددي: بسبب الافتقار إلى المهنية في إعداد المادة الإعلامية الطبية، يسيء بعض الناشرين تفسير أو ترجمة الإحصائيات المعقدة المتعلقة بالدواء الجديد. فبعض التقارير الإعلامية غير المهنية تفشل في توضيح الفرق بين المستوى العددي والمستوى الاحصائي، وهذا بدوره يضلل القارئ.
• المقارنة: من المهنية الإعلامي أن تشتمل المادة الخبرية على مقارنة بين العلاج الجديد والعلاجات السابقة المماثلة الفعالة والمعتمدة.
• تجريب الدواء على الإنسان: فالتجارب على الحيوانات في المختبر لا تعطي بالضرورة النتائج نفسها لدى الإنسان.
• البدائل السابقة للدواء: هذا يساعدك على مقارنة المفعول والأعراض الجانبية.
• عدد أفراد العينة: فلا يمكن تعميم النتائج واعتبارها موثوقة إلا بعد إجراء تجارب على أعداد كافية من البشر، حيث إن التجارب التي تتم على عدد محدود لا تكون نتائجها دقيقة.
• الاعتبارات الأخرى: هناك اعتبارات كثيرة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في ما يتعلق بأبحاث وتجارب أي دواء جديد، كالسن والجنس والمرحلة المرضية. فمثلا، هناك علاجات مفيدة في بدايات المرض لكنها تكون غير مفيدة في حالاته ومراحله المتقدمة.
• مدة ونطاق التجارب: فالتأكد من التأثير الإيجابي بعيد الأمد لأي مستحضر دوائي جديد يحتاج إلى إجراء تجارب وأبحاث لمدة معينة قد تصل إلى بضع سنوات.
• الأبحاث الداعمة: فمن المعلوم طبيا أنه لا يمكن الاعتماد على نتائج بحث واحد لإثبات أو نفي فعالية أي دواء جديد، بل ينبغي الاعتماد على أبحاث وتجارب متواترة ومعتمدة من جهات معترف بها.