دراسة بحثية

بين المطبوخ والنيئ... كيف يتأثر «ميكروبيوم» أمعائنا؟

1 يناير 1970 09:21 م

هناك أنواع كثيرة من البكتيريا والميكروبات الحميدة التي تستوطن أمعاءنا وتلعب أدوارا مهمة في عملية هضم وامتصاص المكونات الغذائية. ويطلق على تلك الكائنات المجهرية الحية مجتمعة اسم «الميكروبيوم».

«الميكروبيوم»... وتأثير الأطعمة
يبدو بديهياً أن أي غذاء يؤثر على بيئة ميكروبات القناة الهضمية (الميكروبيوم) بطريقة معينة إذا تناولناه نيئاً وبطريقة أخرى عندما نأكله مطبوخاً، لكن هذه الفرضية البديهية لم يتم التحقق منها علمياً إلا بعد أن أجريت أخيرا أول دراسة على فئران تجارب وعلى بشر وأثبتت عمليا أن طهي الغذاء يخلق تغييرات مهمة في «التركيبة السكانية» لميكروبات الأمعاء التي تلعب دورا حيويا في عملية الهضم، لكن السؤال هنا هو: ما هي طبيعة ودرجة تأثير هذه التغيرات على البيئة الميكروبية الحساسة الموجودة في أمعائنا؟
كان ذلك هو السؤال الذي سعى إلى الإجابة عنه باحثون أميركيون في جامعات كاليفورنيا وسان فرانسيسكو وهارفارد إلى جانب معاهد بحثية أخرى.

الطهي يؤثر على التنوّع البكتيري
ومن خلال منهجية الدراسة الجديدة التي نُشرت نتائجها في مجلة Nature Microbiology، عكف الباحثون على دراسة كيف يؤثر الغذاء المطبوخ في مقابل تأثير الطعام النيئ (أي الذي لم يتعرض للطهي بالحرارة) على تركيبة وأداء ميكروبات أمعاء عينات تألفت من بشر وفئران تجارب.
وللقيام بذلك، قام الباحثون بتقسيم عينة بشرية وعينة فئران تجارب إلى مجموعات مع تغذية كل مجموعة على حدة بنظام غذائي يتألف إما من لحم نيئ أو لحم مطبوخ أو بطاطا حلوة نيئة أو مطبوخة.
وعلى نحو مثير للدهشة، اكتشف الباحثون أن اللحوم النيئة واللحوم المطبوخة لم تؤثرا كثيراً على بيئة الميكروبات الدقيقة التي تستوطن أمعاء البشر وفئران التجارب. وفي المقابل، كانت هناك تأثيرات واختلافات واضحة بين تأثير البطاطا الحلوة النيئة ونظيرتها المطبوخة على تلك البيئة.
فلقد لوحظ أن العينات التي جرى تغذيتها على نظام غذائي يتألف فقط من بطاطا حلوة نيئة أصبح لديها بيئة ميكروبية أقل تنوعاً في أمعائها، وذلك مقارنة بما كانت عليه قبل التجارب. واتضح أيضا أن أمعاء تلك العينات أصبح فيها نسبة أعلى من البكتيريا العصوانية (Bacteroidetes) التي تلعب دورا رئيسيا في قدرة الأمعاء على تفكيك وامتصاص سكريات الغليكان.
ولتأكيد هذه النتائج، أجرى الباحثون سلسلة أخرى من التجارب، حيث قاموا بإطعام العينات المختلفة ليس فقط بطاطا حلوة النيئة ومطبوخة، ولكن أيضاً وجبات مطبوخة ونيئة من البنجر والجزر والذرة والبازلاء – وجميعها أطعمة ذات درجات متفاوتة من النشوية وقابلية الهضم.
وعلى غرار ما حصل مع البطاطا الحلوة، لاحظ الباحثون أن البطاطا المطبوخة مقارنة مع البطاطا النيئة قد أثرتا بشكلين مختلفين على بيئة التنوع الميكروبي في أمعاء عينات التجارب. لكن الشيء ذاته لم ينطبق على الأطعمة الأخرى المذكورة آنفا.

النيئ يسهم في فقدان الوزن
ولاحظ الباحثون أيضًا أن المجموعات التي غُذيت على وجبات تتألف من أطعمة نيئة فقط فقدت جزءا من وزنها، وهو أمر يشير إلى أن التغيرات في بيئة الميكروبيوم الهضمي قد تكون هي المسؤولة. ومع ذلك، فعندما قام الباحثون بنقل بكتيريا معوية من فئران تتغذى على أطعمة نيئة وزرعها في أمعاء فئران تتناول أطعمة معتادة، فإنهم لاحظوا أن هذه الأخيرة قد اكتسيت دهونا واستعادت وزنها الذي كانت قد خسرته.
وفي حين ترك هذا اللغز الباحثين في حيرة من أمرهم وقرروا مواصلة أبحاثهم في هذا الاتجاه سعياً إلى اكتشاف السبب الذي أدى إلى هذه النتيجة، فإن النتائج المتوقعة ستسهم في كشف النقاب عن مزيد من الأسرار ذات الصلة بمدى وطبيعة تأثير الأطعمة النيئة ونظيراتها المطبوخة على البكتيريا المعوية (الميكروبيوم).