منذ بداية حديثي في مقالي الفائت لفت النظر على أن العمل الأدبي المكتوب، إذا انتقل إلى عمل فني مرئي ومسموع، فإنه بذلك انتقل من الإبداع إلى الصناعة، والصناعة تجارة، نعم التجارة ربح وخسارة، ولكن الأصل في التجارة الربح وليس الخسارة، فإذا ارتضى كاتب العمل الأدبي أن ينتقل عمله إلى فن مرئي ومسموع، عليه ألا يتدخل به نهائياً، ويترك التصرف بهذا العمل للمخرج والسينارست، فهناك أموال سوف تصرف على إنتاج هذا العمل، ينتظر أن تعود بفائدة وبربح أضعاف ما صرف عليه، صناعة المسلسلات والأفلام والمسرحيات، صناعة شائكة ومعقدة وتعدّ من وجهة نظري مقامرة، هناك طاقم من الموظفين هناك ملابس أثاث كاميرات بأنواعها وسائل نقل بأنواعها هناك منازل وحدائق ومبانٍ ومرافق عامة وخاصة... إلخ.
كل ذلك ينبغي على المنتج أن يوفره بسخاء لعمل فني جاد وصادق ومتقن، هناك خيال وإبداع هناك عنصر جذب وتشويق للمشاهد (حدث وصورة) بعيد كل البعد عن رتابة الكتابة لدى عامة الناس خلف الشاشة الصغيرة والكبيرة.
لذا؛ يرى الناقد السينمائي الجزائري عيسى شريط، أن «العملية الإنتاجية التي تؤسس على إثرها شركة خاصة وموقتة تحمل اسم عنوان الفيلم، تجمع العديد من الفرق التقنية والعمالية (التصوير، الديكور، المؤشرات الخاصة الصوتية والحركية والضوئية)، حتى تصل مرحلة عرضه بقاعات السينما».أ.هـ.
ويؤكد ذلك الناقد السينمائي السعودي خالد ربيع السيد، قائلاً: «العمل السينمائي عمل متكامل ينبغي أن تتضافر جميع عناصره من: تمثيل، ومونتاج، وتصوير، ومؤثر صوتي، ومكياج، وديكور، وإضاءة... وغير ذلك لإخراج فيلم جاذب وحري بالمشاهدة والتقدير».أ.هـ.
نعود مرة أخرى إلى مسلسل (ذاكرة الجسد). استكثر المشاهد الجزائري المساحة الكبيرة التي أعطيت للمثل السوري جمال سليمان، وهنا نقول أن الممثل السوري جمال سليمان داخل المسلسل لم يعد سورياً؛ بل أصبح جزائرياً ولقبه الذي يسبق اسمه هو الثائر المجاهد خالد طوبال، وهو الشخصية الرئيسة والمحورية في هذه الرواية، وكل ما حوله إما شخصيات ثانوية أو شخصيات هامشية؛ عدا حياة فهي لم تكن شخصية حقيقة إنما كانت رمزاً وحلماً بالنسبة للبطل، كما أن الحدث المتكامل في هذه الرواية (مقدمة، ذروة، نهاية) يقع أو يخضع جملة وتفصيلاً على عاتق بطل القصة؛ إذ الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي اعتمدت في جلّ روايتها على «حديث النفس - المونولوج»، فجميع مقومات الرواية تحت تصرف الشخصية الرئيسة المحورية، هو المعني أو المتصرف بعنصري الزمان والمكان، وهو الذي يدير الحدث المتكامل ويوجه الشخوص، وهو من يصنع العقد، وهو المعني بفك تشابك الأحداث ويقرر زمن (لحظة التنوير) وهو الذي يسيطر على الحبكة وتماسكها التي تجمع مقومات الرواية ككل لا يتجزأ. من هذا المنطلق يجب أن نتعامل مع شخصية الفنان السوري جمال سليمان، على أنه بطل رواية (ذاكرة الجسد) للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي.
fahd61rashed@hotmail.com