رغم انكفاءِ لبنان إلى «المربّع» المالي - الاقتصادي لتَدارُك السيناريو المُرْعِب الذي سيشكّله أي انهيارٍ تزدادُ التحذيراتُ منه، فإن الوقائعَ اللاهبةَ في المنطقة تعود لتفرض نفسَها على المَشهدِ الداخلي على وقع «المُكاسَرةِ» المفتوحةِ والتي تتخذ منحى تصاعُدياً على الجبهة الأميركية - الإيرانية التي يرتبط بها لبنان عبر «حبل السرّة» الذي يمثّله «حزب الله» كالذراع الأبرز لطهران.
وفيما كانت الأنظارُ شاخصةً على الاستعداداتِ لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لباريس يوم الجمعة تمهيداً لوضْع قطارِ مؤتمر «سيدر» على سكةِ التنفيذِ بما يرْفدُ الواقعَ المالي - الاقتصادي، باغَتَ بيروت وهْجُ ما يشبه «11 سبتمبر النفطي» الذي شكّله العدوانُ على منشآتٍ نفطية تابعة لشركة «أرامكو» السعودية، كحَدَثٍ بارزٍ أثار مخاوفَ من تداعياته على المَسْرَحَيْن الإقليمي والدولي وإمكان تحوُّله «جاذبةَ صواعق» قد لا توفّر لبنان.
وجاء هذا التطور الخطير ليكْسر القاعدةَ المعمول بها في بيروت منذ أشهر وعنوانها «لبنان بيتكلّم اقتصاد وبسّ»، طارِحاً علاماتِ استفهامٍ حول حجم تداعياته على «بلاد الأرز» سواء كان اتهامُ واشنطن لإيران بالمسؤولية عن الهجوم على «أرامكو» مقدمةً لخياراتٍ صِدامية في المنطقة، أو أنّ التمادي الإيراني في «اللعب بالنار» وصولاً إلى الاستهدافِ غير المسبوق لإمدادات الطاقة في العالم ينطوي على محاولةِ افتعالِ أزمةٍ عالميةٍ تستدرج الجميعَ إلى طاولة التفاوض بتوقيت طهران وشروطها ولن يكون لبنان بمعزل عن «مقايضاتها».
وفي رأي أوساط واسعة الاطلاع، أن لبنان القلِق على واقعه المالي - الاقتصادي، يزداد تَوجُّساً من «خط الزلازل» المتحرّك باضطرادٍ في المنطقة، ولا سيما أن «حزب الله» الذي كان حَسَم قراره علناً وبلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله بـ«أننا لن نقف على الحياد إزاء أي حرب على إيران ستُشعِل المنطقة كلها»، يتصدّر في الوقت نفسه «لائحة الأهداف» في المواجهة التي تخوضها الولايات المتحدة مع إيران بالعقوباتِ الراميةِ إلى «خنْق» طهران والجماعات المُوالية لها وفي مقدّمها الحزب الذي يُتوقَّع أن تشتدّ عمليةُ التضييقِ عليه بفرْض عقوباتٍ تطاول للمرة الأولى حلفاءَ له من خارج الطائفة الشيعية.
وفي موازاة ذلك، كانت دوائر مُراقِبة تتوقف عند مغازي «الرسالة السياسية» التي حَمَلها رسو البارجة الأميركية USS Ramage لنحو 24 ساعة في مرفأ بيروت، وعلى متنها قائد الأسطول الخامس الأميركي الأدميرال جيمس مالوي، في محطةٍ تخللها حفلُ استقبالٍ «استضافتْه» بمشاركة عدد كبير من النواب والوزراء من مختلف الكتل باستثناء «حزب الله».
وأفاد بيان للسفارة الأميركية في بيروت بأن «راماج»، وهي سفينة قادرة على اعتراض صواريخ باليستية، رستْ (السبت) في مرفأ بيروت «على هامش مشاركتها في الجهود المبذولة لضمان حرية الملاحة والتبادل الحر في البحر المتوسط».
وفيما أعلن مالوي، أن البارجة شهدت مناورة بحرية مع الجيش اللبناني العام الفائت هدفت لتأمين التجارة البحرية وحماية البنى التحتية، أوضحت السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد أن وجود البارجة في لبنان «رسالة سياسية»، مؤكدة عمق الشراكة بين الولايات المتحدة ولبنان.
وقالت: «الشراكة مع القوات المسلّحة اللبنانية لا تقتصر على المساعدات التي تقدّمها واشنطن، ووجود البارجة يترجم المدى الذي بلغتْه هذه العلاقة بالإضافة الى تدريب آلاف الضباط اللبنانيين مع الجيش الأميركي».
وأضافت: «العلاقة مع لبنان لا تقتصر على التعاون العسكري فنحن ملتزمون مساعدة الشعب اللبناني خلال هذه الفترة الاقتصادية العصيبة وندعم المؤسسات التي تدافع عن سيادة لبنان».