الكاتب والإعلامي السوري شعبان عبود في روايته «ملكة الفوعة... تلميذ بنّش» - الصادرة عن دار نون للنشر والطباعة والتوزيع - اختصر كل المسافات تلك التي تظل عائقاً أما التقاء أربعة عناصر لا يمكن للحياة أن تستقيم من دونها «السلام، التسامح، الحب، الطمأنينة».
وخلال رحلة موغلة في الألم - خاضها المؤلف بكل ما يعتمل في مشاعره من أمل وجنوح إلى التغيير بما يتوافق مع الإنسانية - تواترت أحداث الرواية تلك التي تداخلت فيها الأزمنة والأماكن بما لا نستطيع فك اشتباكها.
إن عبود - في روايته - لم يواز بين الخطوط التي تشير إلى موقفه من الغربة، تلك التي أخذته من ذكريات طفولته وصباه، مع تلك الخطوط التي رسمتها حياته في قريته «بنّش»، بقدر ما جاءت مختلطة مع بعضها البعض في سياق يحمل الكثير من المدلولات، التي تعبر عن الفقد والحزن والإحساس بالقهر والظلم.
إنها رباعية «السلام، التسامح، الحب، الطمأنينة»، تلك التي سبر أغوارها المؤلف في احتكاك مباشر مع الواقعية، من دون التطرق إلى الخيال، ومن ثم تحاور معها عبر فلسفة بدت في معظمها بوحاً وفضفضة، وتفكيراً بصوت عال، وعتاباً قد يصل إلى مرحلة الصراخ.
أماكن كثيرة تنقلت فيها الرواية بين أميركا... تركيا وغيرهما، إلا أن المكان الوحيد الذي نحس أن المؤلف يعود فيه إلى انسجامه واتزان مشاعره هو بلده سورية وتحديدا قريته «بنّش»، رغم ما تتضمنه مشاهد تلك العودة من دمار وصراعات وقتل ودماء تسيل حصار وأطفال واستفحال للعنصرية وغياب للطمأنينة والسلام والحب والتسامح.
إن عنصر السلام ظهر في متن الرواية بينما المؤلف يحاول استرجاع ذكرياته عن وطنه الذي أنهكته الحرب، ومزقته الصراعات، في ما كان بحثه عن التسامح من خلال المفارقة التي أحدثتها تلك الصراعات التي ظهرت بين قريتين متجاورتين الأولى هي التي نشأ فيها «بنَّش» وغالبية سكانها من السنة، والثانية نشأت فيها حبيبته التي لم ينسها بعد مرور 30 سنة «الفوعة» وغالبية سكانها من الشيعة.
وبين اختلاف المذهبين «سني وشيعي»، راح المؤلف يبحث في الطريق الذي من خلاله يمكن الوصول إلى السلام الإنساني الدائم، فوجد ذلك في الحب، والاقتراب أكثر من المشاعر التي تبغض العداوة، وتنتصر للحياة.
بينما بحث المؤلف عن عنصر «الطمأنينة» في غربته التي أخذت جلّ عمره، وحينما لم يجده في غربته، راحت مشاعره تتجه إلى الأمل.
في حين تمثل «الحب» برمزيته الشامل كل مناحي الحياة في «سلمى» تلك الفتاة التي أحبها في صباه، بينما حياؤه منعه من البوح لها بهذا الحب، ثم بعد 30 سنة دفعته ظروف الغربة وما يحدث في بلده من دمار، في أن يفكر في تلك التجربة المضيئة في حياته، ليفتش في مواقع التواصل الاجتماعي عن حبيبته ومن ثم يلتقيها في النهاية.
إن عبود يتحاور مع الواقع، طارحاً الأسئلة التي يمكن اكتشاف صيغها من خلال أحداث الرواية، وهي أسئلة، إجابتها لم تكن مباشرة، بقدر ما جاءت في سرد متواصل مع روح الإنسان، الذي لا يتوقف قلبه عن الحب والسلام والطمأنينة والتسامح، رغم ما يحيط به من مآس لا يمكن تخيل حدوثها.
واختار عبود لروايته لغة سهلة بمفرداتها التي تجمع بين الصحافة والأدب، غير أنها تميل كل الميل إلى الأدب، بفضل سردياتها المتوهجة بالحيوية، في ما ظلت الأحداث في تواترها، مفعمة بالتناغم بفضل ما لها من قدرة على مخاطبة العقل والقلب معاً.