... وأبو خليل لمَن لا يعرفه كان المسؤول عن إدارة بكَرة الفيلم في عددٍ من صالات السينما اللبنانية خلال الحرب، وتَمَتَّعَ بشهرةٍ تُضاهي أحياناً شهرة زعماء الميليشيات بحُكم شعبيّته وجمهوره العابِر للطوائف. فخلال عرْض الأفلام (وغالبيتها أفلام جريمة ورعب) يهْتف المُشاهِدون في لحظةِ بقْرِ بطنٍ أو قطْعِ رأس: «قَطْشِة أبو خليل». يلبّي النداءَ ويقْطش (يقطع) الفيلم لعرْض مشْهد حميمي، فتضجّ الصالةُ بتصفيقٍ يتْبعه صمتٌ مهيب تتْبعه عودةٌ إلى الجريمة والرعب.
في لبنان، مسارٌ مستمرٌّ من التحكّم بالقدرات داخلياً وخارجياً. طرفٌ واحِدٌ يحْصر في يده قرارات الحرب والسلم مع ما يُلازِمها من استدراجاتٍ أو انفراجات. بلدٌ يصرّ الحاكِمُ الفعلي فيه على إغراقه بالوصاية وعلى ترجمةِ كل الإجراءات التنفيذية اليومية لمصلحة هذه الوصاية. من الكهرباء إلى التعيينات، ومن الزبالة إلى الكسارات، ومن مَعابِر التهريب إلى تهريب التسويات المتعلّقة بالهاربين من جحيم الأسد.
بلدٌ يقرّر طرفٌ مُقاوِلٌ لإيران أن يخْرب علاقات لبنان بمحيطه. يُرْسِلُ أنصارَه المغسولة أدمغتهم إلى «ساحات عدوٍّ»... قد يكون اسرائيل، أو تيارات لبنانية، أو السوري الذي أمن بيئتَه من خوفٍ وفَتَحَ بيتَه له في حرب يوليو لكنه ارتكب جريمة الانتفاض على واحدٍ من أكثر الأنظمة إجراماً في تاريخ البشرية، وقد يكون دولة خليجية لا يعرف تاريخ علاقتها بلبنان غير تأمين بيئةِ عملٍ لآلاف اللبنانيين ودعْم الخزينة بالهِبات والقروض، فبادَلَها زعيمُ الدويلةِ التحية مُهَدِّداً بإسقاط «مدن الزجاج».
بلدٌ يعيش الحربَ الباردة. انهيار الاقتصاد. وقوف الآلاف على أبواب السفارات للهجرة. بلدٌ إن اختلف شخصان على موقفِ فرنٍ يقف على نصْف رِجْل خوفاً من حربٍ طائفية.
بلدٌ مثل هذا، يفاجئ أيضاً مسؤولوه قواعدَهم بحديث عن السيادة والاستقلال والقرار الحرّ ورفْض الوصاية والحياد في النزاعات العربية، وعن النزاهة والشفافية في التعيينات والصفقات، وعن سيادة القانون، وعن... وعن... وعن.
حديثُ هؤلاء يُشْبِهُ مَقْطَعاً دخيلاً في فيلمِ رعب. ينْتهي بدقائق وتستمرّ الجريمة. كم نفتقدك يا أبا خليل فقد كانت صدقيّتُك أكبر و«قطْشتك» أفْيَد وإنتاجك «أوْنس» وشعبيّتك أوسع.