«عقل البنتاغون» سيراقب 500 ألف مادة إخبارية إنترنتية يومياً خلال المرحلة التجريبية للمشروع الذي تطوره وكالة الأبحاث الدفاعية حالياً

الجيش الأميركي يتأهب لشن حرب إنترنتيّة ضد «الأخبار الزائفة» و«التضليل»!

1 يناير 1970 09:18 م
  • دوافع المشروع ترتكز على تزايد المخاوف إزاء سعي «أطراف خبيثة» إلى نشر مواد إخبارية مفبركة بهدف تأجيج المشاحنات بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي

يبدو أن تزايد سيل الأخبار الزائفة التي يتم نشرها من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي قد بات يشكل تهديدا يؤرق الأمن القومي الأميركي إلى درجة أن وزارة الدفاع (البنتاغون) قررت إعلان الحرب السيبرانية على ذلك التهديد من خلال إطلاق مشروع يهدف إلى القضاء على ما وصفه الداعون إلى تلك الحرب بـ«الهجمات الالكترونية التضليلية التي تعتمد على نشر أخبار زائفة على نطاق واسع».
فقد أعلنت «وكالة المشروعات الدفاعية المتقدمة» (DARPA) والتي تشتهر بلقب «عقل البنتاغون» أنها بدأت فعليا في السعي إلى تصميم وتطوير برمجيات الكترونية إنترنتية مخصصة تستطيع بفضل «لوغاريتمات» فائقة التطور أن ترصد وتكتشف الأخبار الزائفة من بين نحو 500 ألف مادة إخبارية سواء كانت نصية أو صوتية أو مصورة.
وتقول الوكالة إنه في حال نجاح ذلك المشروع الرائد خلال فترته التجريبية التي ستستمر لمدة 4 سنوات، فإنه «سيتم اعتماد تلك المنظومة الحربية السيبرانية رسمياً كي يتم تطبيقها بموجب القانون من أجل رصد ومكافحة الهجمات الخبيثة التي يتم شنها على نطاق واسع بكتائب من الأخبار الزائفة والمعلومات التضليلية التي تهدف إلى خلق حال من الاستقطاب في المجتمع».
وتعليقا على ذلك المشروع، قال أندرو غروتو خبير الأمن السيبراني في مركز الأمن الدولي التابع لجامعة ستانفورد الأميركية وفقاً لصحيفة «بلومبيرغ» الأميركية «قبل نحو 10 سنوات فقط، كان يُنظر إلى البرمجيات الإنترنتية المتطورة المتاحة للجميع حاليا باعتبارها خيالا علميا. ولا يوجد في الأفق ما يدعونا إلى أن نعتقد أن وتيرة التطور البرمجي ستتباطأ مستقبلا»، وذلك في إشارة من جانبه إلى أن توافر البرمجيات المتطورة في أيدي جميع مستخدمي شبكة الانترنت بات يحتم ضرورة قيام الحكومة ببذل جهد في المقابل لتحجيم الهجمات الخبيثة التي تستغل وسائط ومنصات التواصل الاجتماعي من خلال نشر أخبار زائفة ومضللة.
وينسجم هذا المشروع المرتقب مع سعي مسؤولين أميركيين منذ سنوات إلى صياغة خطط تهدف إلى التصدي لقراصنة الانترنت (الهاكرز) ومنعهم من إغراق قنوات ومنصات التواصل الاجتماعي بأخبار ومعلومات تضليلية خلال فترة التحضير لانتخابات 2020 الرئاسية الأميركية. لكن هذا المسعى قوبل بالاعتراض والعرقلة من جانب زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي رفض بشدة أن يناقش المجلس تشريعاً جديداً يهدف إلى توفير الأمن للانتخابات الأميركية من خلال مراقبة ما يُنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي. وبسبب موقفه هذا، تعرّض ماكونيل إلى انتقادات لاذعة من جانب مؤيدي فكرة المراقبة الذين أطلقوا عليه لقب «موسكوميتش»، وذلك في تلميح واضح إلى أنه أداة في يد روسيا.
وتعبيراً عن التأييد المشوب بالتحفظات إزاء فكرة ذلك المشروع، قالت جينيفر غريغايل، البروفيسور المساعد لعلم الاتصالات في جامعة سيراكوز الأميركية: «إنه لأمر مثير للاهتمام فعلا أن تفكر وكالة DARPA في إنشاء وتفعيل منظومة رصد ومراقبة كهذه... لكن مثل هذا المشروع لن يصبح مثالياً إلا إذا أصبح لدينا إشراف تشريعي عليه. فهنالك فجوة هائلة ما زالت قائمة، وهذا الأمر يشكل سببا للقلق والتخوف».
وواقع الحال في الوقت الراهن هو أن المواد الإخبارية الزائفة – خصوصا تلك التي تعرف بالـdeepfakes (أي: منشورات التزييف العميق) تواصل انتشارها على نحو أخطبوطي معقد يضاعف العبء والصعوبة على برمجيات رصد ومراقبة حركة البيانات عبر الإنترنت. فبرمجيات الذكاء الاصطناعي شهدت تطورا هائلا خلال السنوات القليلة الفائتة وباتت متاحة بسهولة للجميع، وبات من السهل استخدمها لإنشاء ما يعرف بـ«الشبكات التخاصمية المولّدة» (GANs) التي يعتمد عملها على التقنية التي يتم من خلالها بث منشورات التزييف العميق (deepfakes) عبر شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، خصوصا مقاطع الفيديو المفبركة.
ومن أشهر أمثلة منشورات التزييف العميق (deepfakes) ما قام به المنتج السينمائي الأميركي الشهير جوردان بيلي عندما فبرك مقطع فيديو مزيف بهدف التحذير من تصديق كل ما يُنشر عبر الانترنت، وهو المقطع الذي بدا فيه الرئيس السابق بارك أوباما وكأنه يتحدث عن تنظيم «بلاك بانثرز» السياسي (الذي ظهر وانتشر في أميركا أواخر الستينات) ويشتم الرئيس ترامب.
وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أجريت في العام 2016، استبعد مارك زوكربيرغ – مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك – أن تكون ظاهرة الأخبار المزيفة تشكل تحدياً حقيقيا لمنصة التواصل الاجتماعي التي يديرها على مستوى العالم. لكنه تراجع لاحقاً وأقر بأنه قد بدأ يأخذ تلك المشكلة على محمل الجد وأنه قرر إدخال تعديلات تسمح لمستخدمي فيسبوك بأن يبلغوا عن المحتوى الزائف وأنه سيقوم بتفعيل برمجيات لفحص مدى صدق المواد التي يتم الإبلاغ عنها. وقد أسهم ذلك فعليا في قيام فيسبوك بحجب منشورات ومنع نشرها كإعلانات مدفوعة الأجر، وهي الإعلانات التي كانت توفر قناة سريعة للترويج السريع.
وفي شهر يونيو الفائت، أقر زوكربيرغ خلال شهادة أدلى بها أمام لجنة خاصة في الكونغرس بأن فيسبوك ارتكبت «خطأ تنفيذيا» عندما لم تتحرك بسرعة كافية من أجل رصد ومتابعة مقطع فيديو مفبرك بدت فيه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وكأنها تتحدث بطريقة متلعثمة ومشوهة خلال كلمة القتها أمام المجلس.
ويضف غروتو قائلا: «تصبح الصورة فيها مخيفة جدا عندما تعلم أن هناك أطرافا خبيثة تقوم بدمج أشكال متنوعة من المواد الإخبارية الزائفة والمفبركة ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فهناك مفبركون بارعون يستطيعون أن ينتجوا مقاطع فيديو زائفة وأن يختلقوا نصوصا إخبارية شديدة الإقناع وأن يبثوا نوافذ دردشة كي تتفاعل مع مستخدمي تلك المنصات. ولنا أن نتخيل مدى التأثير الإقناعي الذي يمكن أن يطول المستخدمين عند توظيف مثل تلك التقنيات المعقدة في ما يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
وهنا سيأتي دور المشروع الذي أعلن البنتاغون (من خلال وكالة DARPA) إنه يسعى إلى تجريبه قبل تعميمه، وهو المشروع الذي يعتمد بشكل أساسي على مضاعفة عدد لوغاريتمات المراقبة والفحص عبر الشبكة العنكبوتية العالمية، وذلك بهدف رصد المواد الإخبارية الزائفة وذات الأهداف الخبيثة تمهيدا لوأدها قبل أن تتفشى على نطاق واسع وتنشر نار التضليل في هشيم الرأي العام.
وجاء في سياق في وثيقة نشرتها وكالة DARPA بتاريخ 23 أغسطس الفائت في إطار التعريف ببرنامجها الذي يحمل اسم «علم الأدلة الجنائية للمعاني والدلالات»: «إن من شأن استخدام مجموعة متكاملة من برمجيات استشعار تناقض المعاني والدلالات أن يسهم بشكل حاد في تصعيب المهمة على مفبركي المواد الإخبارية والإعلامية، وذلك لأن تلك البرمجيات ستفرض عليهم أن يتقنوا جميع التفاصيل بينما لن يكون على برمجياتنا الدفاعية سوى أن ترصد تناقضا واحداً أو اثنين فقط لتصنف ذلك المحتوى باعتباره مزيفا ومضللا».
وأضافت الوكالة في سياق الوثيقة ذاتها موضحة: «ان مثل هذه التقنيات - التي تعتمد على التحري الجنائي وراء المعاني والدلالات - ستساعد على الفهم والرصد والردع إزاء حملات التضليل الإخباري عبر الإنترنت».
ويقول مؤيدو هذا المشروع إنه يكتسب أهمية خاصة في ضوء حقيقة أن برمجيات ومنظومات المراقبة الانترنتية الراهنة معرضة للوقوع في أخطاء وزلات عند محاولة فحص المعاني والدلالات.
ووفقا لوكالة DARPA، فإن من أمثلة تلك الزلات أن تلك البرمجيات ما زالت تخفق في رصد بعض علامات التزييف الواضحة التي تكون كامنة في صور ومقاطع فيديو مفبركة، وهي التفاصيل التي يسهل في أحيان كثيرة على العين البشرية المجردة أن تلاحظها، كالخلفيات المركبة وغير ذلك من الإضافات الدخيلة بما في ذلك الأصوات.
ووفقا لما رشح حتى الآن من معلومات، فإنه من المقرر أن يقوم مشروع المراقبة خلال فترته التجريبية برصد وتحليل 250 ألف مادة إخبارية ومثل ذلك العدد من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي يوميا على أن يكون مدسوس بين تلك المواد والمنشورات 5 آلاف مادة مزيفة، بحيث سيتم تحديد مدى نجاح هذا المشروع الدفاعي في ضوء مدى نجاحه في اكتشاف تلك المواد المزيفة يوما بعد يوم.
وهكذا فإنه سيكون علينا أن ننتظر انقضاء الفترة التجريبية قبل أن يتم الاعلان عما إذا كان البنتاغون سيعلن شن الحرب رسمياً – أي بعد تمرير قانون من جانب الكونغرس - على ميليشيات الأخبار الزائفة والمواد الإعلامية المضللة عبر شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.