تَهاوي مساعي الخروج من المأزق يمدّد احتجاز الحكومة
لم يتصاعَد «الدخانُ الأبيض» من المَساعي الماراثونية والكثيفة التي وصلتْ الليل بالنهار في بيروت أول من أمس، لكسْر المأزق السياسي المُتمادي الناجم عن الاستمرار باحتجاز الحكومة وتعطيل جلساتها منذ أكثر من شهر بسبب الانقسام الحاد حول أي وُجهةٍ قضائية يفترض أن يسلكها ملف «حادثة البساتين» الدموية التي وقعتْ في 30 يونيو الماضي بين مرافقين للوزير صالح الغريب (من حزب النائب طلال أرسلان) وبين مناصرين لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط.
وليس عادياً ما يجري تداوُله في الكواليس عن وجود «قرارٍ» بكسْر جنبلاط وجعْله يخْرج من هذا «الاختبار» بخسائر «أحلاها مُر» وبينها رفْع الغطاء عن الوزير والنائب أكرم شهيب الذي يتّهمه أرسلان بالوقوف شخصياً وراء «محاولة اغتيال الغريب» ويجري الترويج لوجود تسجيلاتٍ صوتية ترْبطه بالتحركات الاحتجاجية ضدّ زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لعاليه.
وكان لافتاً أن الرئيس ميشال عون باغَتَ الجميع بموقفٍ حدّد فيه «المخَرج الوحيد» الذي يراه للأزمة القائمة «ويتمثّل في ما كان يجب اللجوء اليه منذ البدء، أي تكليف السلطة القضائية بالتحقيق والبتّ بالأمر وفقاً لما يؤول إليه هذا التحقيق»، معتبراً خلال استقباله قائد الجيش العماد جوزف عون، لمناسبة العيد 74 للجيش، أن «السياسيين يقومون بمعالجة حادثة قبرشمون فيما أنا مسؤولٌ عن القوانين والدستور، ولذلك أعطي مهلة للتخفيف من وطأة الخلاف القائم حولها عبر المحادثات التي نشهدها».
وإذ كان الترقب يسود للوقْع الذي سيتركه موقف عون، وتأثيراته الممكنة على مسار المعالجات، لم تهدأ «عاصفة الهواجس» من «أبواب الرياح» التي قد تفتحها الرسالةُ التي وجّهها الرئيس اللبناني إلى البرلمان عبر رئيسه نبيه بري طالِباً تفسير المادة 95 من الدستور (حول إلغاء الطائفية السياسية والمرحلة الانتقالية وخصوصاً لجهة طائفية الوظائف والمناصَفة فيها)، وذلك من ضمن مسار اعتراضه على المادة 80 في قانون موازنة 2019 حول حفْظ حقوق الفائزين في مباريات الخدمة المدنية التي يعتبر عون وفريقه أنها لا تُراعي التوازن الطائفي.
ورغم التقديرات بأن سلوكَ الرسالة الرئاسية طريقَها إلى البرلمان تلاوةً ثم مناقشةً قد لا يحصل قبل الدورة العادية لمجلس النواب في أكتوبر المقبل، فإن ذلك لم يقلّل من المَخاوِف من تداعياتِ وضْع اتفاق الطائف على الطاولة في هذا التوقيت، ولو من باب طلب تفسير أحد مواد الدستور، ولا سيما أن هذه المادة ليست «تقنية» بل جوهرية في بُعدها المتّصل بالنظام وتركيبته وتوازناته ويمكن لأي تفسير لها في اتجاه أو آخَر أن يفتح الشهية على مطالباتٍ لا مصلحة للمسيحيين بها، رغم تَوقُّف أوساط مراقبة عند حرْص عون في رسالته على الإشارة إلى ان المادة 95 تلحظ خطة مرحلية لـ «إلغاء الطائفية» وليس الطائفية السياسية فقط، في ما بدا محاولةً استباقية لرسْم معادلة قديمة - جديدة عنوانها «الدولة المدنية مقابل إلغاء الطائفية السياسية».
وقد أطلّ عون ضمناً على هذه الهواجس خلال الاحتفال العسكري لمناسبة عيد الجيش، بحضور كل من بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، إذ أكد «ان اتفاق الطائف الذي التزمتُ بتطبيقه في خطاب القَسَم والتزمَتْ به الحكومة في بيانها الوزاري، يُشكّل مظلة لنا لحماية الميثاق الوطني عبر صوْن حقوق الجميع وإحقاق التوازن بين مختلف شرائح المجتمع».
وشدّد على أنه «لا ينفع لبنان في هذه المرحلة أن يستحضر البعض لغة الماضي وممارساته طاعناً في صميم إرادة العيش المشترك ومتطلباته، التي ثبّتها الطائف»، معتبراً ان «استحضار لغة الماضي، إن في السياسة أو في الإدارة، يؤذي الحياة الوطنية (...)».
كما حذر عون، من مغبة ما يمكن أن تفرضه المؤسسات الدولية المقرضة على لبنان من خطط اقتصادية ومالية قاسية ما لم يقدم تضحيات لإنقاذ البلد من أزمته الاقتصادية.
وقال إن لبنان يمر بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية قاسية «لكننا قادرون على تجاوزها وإنقاذ الوطن من براثنها إذا عقدنا العزم على ذلك».