قضية / بعدما تخاطفتها الأهواء وأصابها الإهمال

التنمية الثقافية... بين غياب الرؤية وضباب الطريق

1 يناير 1970 02:28 م

يقول التاريخ العربي إن المشاريع التي سعت إلى تحقيقها مختلف المجتمعات العربية منذ السبعينات، حتى وقتنا الحالي فشلت - في معظمها - ولم تحقق أهدافها، سواء تلك المشاريع المتعلقة بالسياسات العربية الموحدة تجاه مواجهة المخاطر التي تتربص بالإنسان العربي وهي كثيرة، أو تلك المشاريع التي كان من المفترض أن تنضج مع مرور الزمن وتؤتي أكلها، تلك التي تخص بناء الشخصية العربية على أسس متطورة، تحمل في مفاهيمها التطور وحب العلم والتواصل مع كل ما من شأنه الارتقاء بالشخصية العربية والتصدي لتحدياتها بالكثير من الثقافة والفكر، وأيضاً المشاريع الثقافية - في أغلبها - فشلت، وإن نجح بعضها فهو نجاح مصاب بالتآكل والصدأ والتوقف التدريجي عن العطاء.
هذا الفشل سببه تبني أفكار مفادها أن بالإمكان فصل التنمية عن الثقافة. وأن مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة ليست هدفاً على وجه الإطلاق، ولكنه رفاهية يمكن تخطيها وعدم الصرف عليها، لتترك في الطريق من دون رعاية أو دعم، تتخاطفها الأهواء، وتحدد مساراته من لديه المال ليدفع، وذلك من خلال صانعي القرارات السياسية والفاعلين الاجتماعيين، الذين أسقطوا الثقافة من حساباتهم - عمداً أو من غير عمد نتيجة للجهل بقيمة الثقافة في حياة المجتمع - وبالتالي فقدت مبادئ التنوع الثقافي وتعدديته، القدرة على التأثير على مجمل السياسات والآليات والممارسات العامة. وعدم الرغبة في دمج الثقافة مع مجمل سياسات التنمية سواء في التعليم أو العلم أو الاتصالات أو الصحة أو البيئة أو السياحة، ومن ثم إهمال القطاع الثقافي وعدم الالتفات إلى دوره في الصناعات الإبداعية.
فالتنمية الثقافية تعد من أهم الاستثمارات التي تعني بمستقبل العالم. وهي من أهم الأركان التي تبني على أساسها المجتمعات تطورها، ونموها المطرد تجاه أهداف، آنية ومستقبلية، ومتى ما استقر في الوجدان العام لأي مجتمع كان أهمية الثقافة في عمله المتواصل، فإن ثمة رؤى ستتكشف له، وملامح جديدة ستظهر أمامه، تلك التي تساهم بشكل خلاق في تطوره، ووصوله إلى أرقى المستويات، وهذا ما انتبهت إليه الشعوب الغربية في رحلتها مع التطور، فقد كان العلم يسير جنباً إلى جنب مع الثقافة بكل ألوانها، وذلك وفق رعاية الجهات الرسمية وغير الرسمية، كي يتحقق لها النهضة العلمية والاقتصادية والاجتماعية التي نشهدها الآن.
وفي المقابل كانت النظرة العامة للثقافة في مجتمعاتنا العربية قاصرة وغائبة في معظم حالاتها، وبالتالي أصبحت الثقافة محصورة في العمل الأدبي، الذي هو الآخر بدأ في الأفول والغياب عند مطلع القرن الذي نعيشه، بينما ظلت الحياة الفكرية متعثرة، إلا من خلال جدل عقيم، تعقده جهات متنفعة، وذات مصالح، وتدور في أطر لا تخدم الفكر الإنساني، أو الرؤية العربية المحددة بمفاهيم واشتراطات تدخل في نسيجها التطوير والابتكار. ومتى أن أهملنا الثقافة ووضعناها في مصاف وسائل الترفيه والوجاهة فقط، وليست وسيلة أساسية للتنمية والتطور، فإن ذلك مآله المزيد من الفشل الذي سيؤدي إلى المزيد من التأخر في مختلف مجالات الحياة، لذا فقد بات من الضروري الانتباه لقيمة الثقافة وجعلها بوابة ندخل منها إلى عالم التطور والتقدم.